داهم القحطاني&

بعد اختلاف فريق قناة بي بي سي عربي مع ملاك قناة أوربت السعوديين وانتهاء مشروع القناة عام 1996، عرض على الكويت تشكيل قناة فضائية إخبارية عربية من طاقم الـ«بي بي سي» نفسه لكي تمولها وتكون ذراعا إعلامية للكويت، لكن الحكومة الكويتية رفضت آنذاك هذا العرض لأسباب عدة، قيل إن من بينها التخوف من أن تتسبب هذه القناة في مشاكل سياسية للكويت في وقت كانت الكويت قد خرجت للتو من كارثة الاحتلال العراقي، وكانت تحتاج للابتعاد عن أي جدل أو خلاف مع أي دولة.

هذا الطاقم الذي رفضت الكويت تمويله تلقفته دولة قطر فظهرت قناة الجزيرة التي أحدثت ثورة حقيقية في الإعلام العربي وغيرته للأبد، وكانت بحق ذراعا إعلامية مؤثرة للسياسة الخارجية القطرية. بعد ذلك، وفي عام 2003 أُنشئت قناة العربية بتمويل غير مباشر من السعودية، وأيضا كانت ذراعاً إعلامية مؤثرة للسياسة الخارجية السعودية. دولة الإمارات كانت لها محاولات لإنشاء قناة إخبارية ضمن التلفزيون الرسمي وحققت نجاحاً لا بأس به عبر قناة أبو ظبي لكنها عادت وأنشأت قناة سكاي نيوز عربية بالتعاون مع قناة سكاي نيوز الأم. هذه القنوات بالتأكيد حققت نجاحات عدة، وساهمت في دعم سياسات الدول الممولة لها خصوصا قناة الجزيرة القطرية، حيث كانت إحدى أهم القنوات المؤثرة في حقبة الربيع العربي. لكن، ومقابل هذه النجاحات، كان هناك حصاد مر، فقطر واجهت مشاكل عدة، وعداوات كثيرة بسبب قناة الجزيرة، ليس فقط من دول وتيارات معادية بطبيعتها للحكومة القطرية، بل حتى من قبل دول وتيارات علاقاتها جيدة مع الحكومة القطرية.

القنوات الفضائية العربية الممولة من الحكومات كانت تمارس لعبة التذاكي عبر نشر تقارير إخبارية تحمل رسائل غير مباشرة، وأحيانا مباشرة، تجاه سياسات دول معينة من أجل الضغط عليها وتغيير هذه السياسات، ووصل الأمر أحيانا إلى ممارسة التحريض الموجع لتحقيق هدف معين. كما أن بعض المذيعين والمعدين والمخرجين في هذه القنوات كانوا يسقطون أفكارا وأحقادا شخصية على دول معينة من خلال ما ينشرون من تقارير، كما حصل من قناة الجزيرة ضد الكويت في سنوات معينة.

الكويت كانت تفرق دوما بين هذه القنوات والدول الممولة لها، وكانت تتخذ التغافل الذكي نهجا، فالكويت لا تريد أن تكون هذه القنوات سببا لتوتير العلاقات الدبلوماسية مع دول معينة في وقت كانت تحتاج فيه للعلاقات الحسنة مع الجميع. وقد نجحت الكويت إلى حد كبير في هذا النهج حيث كانت تعالج تجاوزات هذه القنوات بمعزل عن الدول الممولة لها، وعبر إجراءات إدارية كان من أشهرها غلق مكتب قناة الجزيرة في الكويت عام 2003، في وقت كانت الجزيرة فيه مؤثرة بدرجة مرعبة على الرأي العام العربي. الآن وبعد نحو 23 سنة على ظهور أول قناة عربية إخبارية لم يعد سرا القول إن هذه القنوات أصبحت مكلفة سياسيا للحكومات التي تمولها، فعلى سبيل المثال أي خبر سيئ ينشر من قناة الجزيرة يحسب على الحكومة القطرية، وأي خبر سلبي ينشر من قناة العربية يحسب على الحكومة السعودية، وأي خبر سلبي ينشر من سكاي نيوز يحسب على الحكومة الإماراتية، بالطبع هذه ليست قاعدة ثابتة لكنها في المجمل العام أصبحت انطباعاً راسخاً تجاه هذه القنوات وغيرها. القنوات الفضائية الإخبارية العربية لم تعد ذلك الاستثمار المربح في ظل تنامي تأثير شبكات التواصل الاجتماعي، وفي ظل تنامي قدرة المواطن العربي أينما كان على الوصول لمصادر إخبارية متعددة، ما يجعلنا ندرك الآن وبعد نحو عشرين عاما من رفض الحكومة الكويتية لإنشاء قناة إخبارية عربية أنه بالفعل كان قرارا حكيما. داهم القحطاني

&