& صالح القلاب

كان أحد المحاور الرئيسية في «موسم أصيلة الدولي» المغربي لهذا العام، عن دول الجوار العربي، والمقصود هو تركيا وإيران، وبالطبع إسرائيل، دولة العدو الصهيوني، في «المشرق»، وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا، إنْ جاز هذا، وأيضاً بعض الدول الأفريقية كالسنغال وغامبيا وغيرهما. وحقيقة أنه كان يجب التوقف عند هذه المسألة في هكذا ندوة، شارك فيها عدد من الكفاءات المعروفة، إن عرباً، وإن من أميركا اللاتينية، وإن من أفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة، ودول أخرى لها مكانتها المرموقة على خريطة الكرة الأرضية.
وهنا، ولأن التعاطي الاستعراضي مع هذه المسألة، التي هي في غاية الأهمية، وحيث إن كل المسائل التي أثارتها «أصيلة» في مواسمها التي بلغت حتى الآن 41 موسماً، يحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد استعراض سريع، وأكثر من رأي فردي وشخصي، ولهذا فقد وقع اختياري وأيضاً اختيار بعض من شاركوا في هذه الندوة، التي عقدت تحت عنوان «الجوار العربي» للتحدث عن تركيا وعن إيران، نظراً لعلاقتنا التاريخية بهما، ولأن تأثيرهما هو الأكثر، وهذا إن سلباً وإن إيجاباً، كان لا يزال على منطقة الشرق الأوسط كلها، إن في المجالات الاقتصادية والسياسية، أو في المجالات الأمنية والعسكرية.
إن المعروف أن تركيا العثمانية كانت قد احتوت العرب، عرب المشرق، ومعهم عرب مصر، مواطنين فيها، وربما من الدرجة العاشرة لأكثر من 4 قرون متلاحقة، وذلك إلى أن سلمتهم مرغمة بعد انهيارها في الحرب العالمية الأولى إلى الخرائط التآمرية الجائرة التي كان رسمها وزير الخارجية البريطاني،

ومعه وزير الخارجية الفرنسي، والتي كانت قد أعطيت عنواناً هو «اتفاقيات سايكس – بيكو»، التي بموجبها أنشئت وبالقوة هذه الدولة الإسرائيلية في فلسطين، وحيث تم تمزيق العالم العربي بطريقة عشوائية وجائرة، لا نزال نعاني منها حتى الآن، حتى بعد قرن كامل.
ثم وإذْ إنه ضروري أن نبدأ بإسرائيل، فإنها ستبقى جواراً سيئاً ومعادياً، إلى أن يستجد واقع عربي غير هذا الواقع المؤلم، وهنا فإنه ليس أغلب الظن وفقط، لا، بل المؤكد أنَّ هذا الكيان الذي «اصطنع» اصطناعاً ليكون خنجراً في قلب الأمة العربية سيبقى عدواً وخصماً، رغم التوصل معه إلى اتفاقيات كامب ديفيد، ولاحقاً إلى اتفاقيات وادي عربة، ولعل ما يؤكد هذا هو ما يجري في الضفة الغربية وفي قطاع غزة وفي «هضبة الجولان السورية المحتلة».

حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الجنرال إسحق رابين، الذي اكتشف أن بقاء إسرائيل في هذه المنطقة يتطلب سلاماً «معقولاً» مع الفلسطينيين، لم يحتمل اليمين المتطرف، الذي بات المسيطر على الدولة الإسرائيلية، بقاءه، فجرى اغتياله خلال مهرجان احتفالي بذكرى توقيع اتفاقيات أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، وحيث بعد ذلك لم يعد هناك «معسكر سلام» في هذه الدولة الصهيونية.
وهكذا، فإنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الدولة التي كانت قد اصطنعت اصطناعاً في لحظة عربية مريضة، كانت بدايتها تأسيس الحركة الصهيونية كحركة عنصرية استعمارية، ثم جاءت اتفاقيات «سايكس – بيكو» بداية لتنفيذ مؤامرة قيام دولة إسرائيلية في فلسطين كقاعدة عسكرية متقدمة وكرديف للتمدد الاستعماري في العالم العربي كله.

إنه لا سلام حقيقياً مع هذه الدولة، حتى بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد واتفاقيات وادي عربة، وأيضاً اتفاقيات أوسلو التي لا تزال تعاني من كساح منعها من التقدم إلى الأمام، ولو بمقدار خطوة واحدة، وهذا يعني أن «الجوار» مع هذه الدولة سيبقى جواراً تناحرياً، وأن كل ما يدور في هذه المنطقة وما يجري في فلسطين والشرق الأوسط لا يشير فقط، لا، بل يدل على أن الصراع مع هذه الدولة الرافضة لأي سلام فعلي وحقيقي، سيبقى متواصلاً ومستمراً، وأن حرباً مع هذا العدو ستبقى متوقعة وفي أي لحظة.
وكذلك، فإن المعروف أن هذه الدولة التركية التي خلفت الدولة العثمانية، التي أصبح على رأسها مصطفى كمال «أتاتورك» قد أبدت عداءً غير مبرر للعرب، والمقصود هنا هو ليس الشعب التركي الشقيق فعلاً، وإنما معظم الأنظمة التي تلاحقت على مدى قرن كامل، وآخرها نظام رجب طيب إردوغان، الذي أصبح نظاماً «إخوانياً»، وحيث بادر إلى النزول من عربته ومغادرتها مع عدد من كبار رموز حزبه، حزب العدالة والتنمية، ومن بينهم رئيس الدولة السابق عبد الله غل ووزير خارجيتها الأسبق محمد داود أوغلو وآخرون.

وهنا ومن دون أي اتهامات، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن هيلاري كلينتون، زوجة الرئيس الأميركي اللامع حقاً بيل كلنتون، قد تحدثت في كتابها المعروف «الخيارات الصعبة» عن أن الإدارة الأميركية بحثت عن زعيم «سنيٍّ» وزعيم «شيعي»... للتفاهم معهما، فكان الشيعي هو علي خامنئي، وكان السني هو رجب طيب إردوغان، وحقيقة أن هذا الصعود «الدراماتيكي» لكلا الاثنين والأدوار التي قاما ويقومان بها الآن، يعزز رواية هذه السيدة الأميركية... والله أعلم!!
وحقيقة أن العرب بمعظمهم، بقوا يسعون إلى علاقات «أخوية» مع تركيا ومع إيران، ونسيان الماضي القديم والقريب كله، إن في عهد الدولة الصفوية الإيرانية، وإن في عهد السلطنة العثمانية، وبعد ذلك في الفترة الأتاتوركية، لكن ما أصاب الأمة العربية كلها بالإحباط، باستثناء بعض الاستثناءات المعروفة، هو أن النظام الإيراني بعد سقوط الشاه كان الأشد عداوة للأمة العربية ولأنظمتها العروبية، وأن إردوغان بدوره سار على هذا الطريق نفسه الذي سار عليه الخميني ومن جاء بعده، وأنه حوّل تركيا «الشقيقة» إلى «مثابة» لـ«الإخوان المسلمين» الذين كانوا أُوجدوا في عام 1928 لقطع الطريق على النهوض العروبي، إن كان في هيئة دول كانت واعدة وصاعدة، وإن في هيئة أحزاب سياسية قومية وعروبية.
لقد ظنَّ العرب كلهم أن مجيء الخميني سيخلص إيران من العقد القديمة، إن في عهد الدولة «الصفوية» نسبة إلى صفي الدين أردبيلي (الآذاري)، وإن في عهد الشاه رضا بهلوي، وابنه الشاه محمد رضا بهلوي، لكن ما شكّل صدمة حقيقية وفعلية أن الخميني كان الأشد كرهاً وعداوة للعرب والأمة العربية،

وهذا ورثه كل الذين جاءوا بعده الذين يفاخرون بأنهم باتوا يسيطرون على 4 عواصم عربية، والذين يقومون بحشد قواتهم الآن في الخليج العربي وتهديد الدول الخليجية، متناسين أن هناك دولة إسرائيلية - صهيونية تحتل فلسطين والجولان، وتهدد العالم العربي كله، وتشكل خطراً فعلياً على الدولة الإيرانية.
وعليه، وفي النهاية، ورغم هذا كله، فإنه يجب تأكيد أنه غير جائز وضع هذين الشعبين الشقيقين، الشعب الإيراني والشعب التركي، مع النظام الخامنئي والإردوغاني «الإخواني» في سلة واحدة، إذْ إن ما يربط العرب كلهم بإخوانهم الإيرانيين والأتراك هو تاريخ طويل، وأيضاً مصالح، من المفترض أنها مشتركة، وفوق هذا كله الدين الإسلامي العظيم الذي أخرجهم وأخرجنا ومعنا أكثر من مليار مسلم في «أربع رياح الأرض» من الظلمات إلى النور، وهذا هو المهم، والأهم الذي يجب أن يبقى يتمسك به أهل هذه المنطقة كلهم، عرباً وأتراكاً وإيرانيين.