&محمد الساعد

في 31 ديسمبر القادم يكون قد مضى على إنشاء شركة الهند الشرقية 420 سنة، عندما وضعت الملكة البريطانية اليزبيث الأولى بداية لبناتها العام 1600، لقد تحولت تلك الشركة إلى مخلب إنجليزي في منطقة الخليج والقارة الهندية، بل والعالم، استطاعت من خلال نفوذها المالي تمهيد الأرض أمام إنجلترا، مولت أعمالها واقتصادها وحولتها إلى إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس.

التفتت تلك الشركة العملاقة - التي كان يطلق عليها «الشركة المبجلة» تعظيماً لها وامتناناً لما قدمته للشعب البريطاني- إلى منطقة الخليج العربي واضعة يدها على «البنادر» المنتشرة على ضفافه بدءاً من بندر عباس ثم البصرة وانتهاء بمسقط.

لقد كانت منطقة الخليج العربي وحتى قبل ظهور النفط بقرنين محطة عبور للتجارة والقوافل البحرية بين الشرق والغرب، وكان الصراع على أشده بين الإنجليز والبرتغاليين ثم الهولنديين ثم مع الفرنسيين حتى استقر الأمر للإمبراطورية البريطانية.

تحول الخليج العربي إلى بحيرة إنجليزية خالصة، بل امتد النفوذ البريطاني إلى المضائق من هرمز وصولاً إلى باب المندب في عدن وانتهاء بقناة السويس، لقد أضحت البحار والمضائق وطرق التجارة الواصلة بين الشرق والغرب بيد البحرية الإنجليزية وتحت مشيئتها.

لقد تحكمت الشركة العملاقة في مصير منطقة الخليج بضفتيه، وقبضت عليها بيد من حديد، كانت التجارة المال ولا شيء غيرها هي الأساس لبناء نفوذ عميق استمر حتى العام 1971، عندما استقلت آخر المشيخات عن الانتداب البريطاني.

انتهت شركة الهند الشرقية ولم ينته النفوذ الإنجليزي في الخليج، إلا أن أغرب ما واجه البريطانيين وهم يغادرون المنطقة كمحتلين هو أن قطر على وجه التحديد كانت المشيخة التي رفضت الاستقلال دون غيرها، بل وترجت البريطانيين بالبقاء دون التفات للمزاج الدولي في إنهاء الاستعمار الغربي ومنحها الاستقلال في كثير من الدول ومنها قطر.

ومع ظهور طرق تجارة جديدة بدأت قوة البريطانيين في الخفوت حتى انتهت بتسليم سواحل الخليج المُستعمرة إلى أهلها، إلا أن النفوذ السياسي البريطاني بقي مستفيداً من إرث كبير لا يزال حاضراً في «الضفاف الخلفية الخليجية» يظهر من حين لآخر وقت الحاجة، مع التأكيد على أنه سيبقى المؤشر والدليل على اليد البريطانية الخفية التي لا تزال تعمل في منطقة الخليج.

ومنذ ظهور الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة أصبحت الجزيرة العربية بين نفوذين كبيرين في الإقليم، إنجليزي جاعلاً من السواحل الخليجية مناطق نفوذه، وسعودي بنى من فضاء الجزيرة العربية مناطق ارتكازه وقوته.

لقد كانت الأزمة مع قطر التي ظهرت بشكلها الخشن العام 2017 دليلاً على أن القطريين لم يستطيعوا الاندماج في المنظومة الخليجية التي حاول الخليجيون تأسيسها العام 1981 في منظومة مجلس التعاون الخليجي لتكون منظمة تحميهم من القوى الدولية والإقليمية المتربصة، هذا لم يكن النفور القطري الأول، لقد سبقه رفض للانضمام إلى الإمارات العربية المتحدة تحت لواء دولة واحدة.

فالقطريون «الصغار» الذين تمنوا على الإنجليز عدم المغادرة العام 1971 يظنون أن وجود دولة كبيرة كالسعودية بجوارهم لا يمكن مجاراته ولا الوقوف أمامها إلا بالمناكفة والاستعداء بل والتآمر وجر المستعمرين القدماء مرة أخرى إلى ضواحي الدوحة.

لقد أعطى القطريون إشارة واضحة لبعض العواصم الأخرى التي تضمر العداء للسعودية خفية بأن جلب المستعمر الإنجليزي مرة أخرى ليس على يد شركة الهند الشرقية هذه المرة، بل تحت مسمى الشراكة والقواعد العسكرية إلى ضفاف الخليج هو الذي سيجعلهم قادرين على كشف العداء الذي يضمرونه ويخفونه.

لذلك جاء الحل السعودي بالاستدارة والقطيعة مع هذا الجوار القطري السيئ، فهل سيكون العزل خيارا مفتوحا في المستقبل مع من يحمل قفازا «حريريا» محايدا لكنه يخفي خنجره المسموم داخله.