نورا المطيري

أطلت الدُمية ماتريوشكا برأسها من على خشبة مسرح العرائس، جاءت من صندوق خشبي يعارض الأمير الوالد «خليفة»، لكنْ عيناها كانتا تصوبان نحو ولي العهد «حمد»، عمل والدها على تصعيد الخلاف والمعارضة، والدفع لإنجاز صفقة سياسية، وفي العام 1977، تم زواج «ماتريوشكا القطرية» من حمد، وتسوية الخلاف المزعوم.

الجمهور، كانوا يعلمون أن الدمية ماتريوشكا، هي دمية بداخلها دمى أخرى، بأحجام متناقصة، خاصة وهم يعلمون أن الصراع الدامي سيحتدم، بين ماتريوشكا من جهة، وزوجات حمد الثلاث من جهة أخرى، وفعلاً تستعر الحرب، من مريم ابنة عم حمد، التي أنجبت له «مشعل وفهد»، لكن ماتريوشكا، حسمت المعارك بسرعة، اتهمت «مشعل» بالتآمر مع جده على أبيه وعزلته من جميع مناصبه العسكرية ووضعته قيد الإقامة الجبرية واتهمت «فهد» بالجنون وجردته من مناصبه العسكرية، وكذلك فعلت بكل خصومها المحتملين.

الدمى الصغيرة، في شخصية ماتريوشكا رحن يتحركن بكل اتجاه، كنّ يردن الحكم بأي ثمن، اجتمعن وخططن أن ينقلب حمد على أبيه، ويخلعه شر خلعة، وأن يستولي على الحكم، وقررن أن الثلاثاء 27 يونيو العام 1995، هي ساعة الصفر، حين يغادر الأب إلى سويسرا ويلحق به الولد العاق، زوجها، إلى المطار، لتقبيل يده وتوديعه إلى غير رجعة، وتم التنفيذ، وإذا بماتريوشكا ذات مساء تتربع على عرش الحكم.

الموسيقى التصويرية الصاخبة المصاحبة لعرض الدُمية ماتريوشكا طغت على صوت الرصاص الرافض للانقلاب السافر، فأحضر المخرج ابن جاسم جوقة من الطبالين الذين تميزوا بإلهاء الجمهور وتخويفه وبث الرعب في نفوسهم، القرضاوي وبشارة والقاسم والأحدب وريان وطاقم جزيرة سلوى جميعاً. تفننت ماتريوشكا بتوظيف أفكار بن جاسم، فقد سمح لها، وضمن رؤية دراماتيكية مفعمة بالأنانية أن يصبح ابنها تميم حاكماً للدويلة الخشبية الصغيرة جداً.

يستمر العرض 20 عاماً، وتستمر الدمية ماتريوشكا في العبث ونسج المكائد ونشر الفتن وإقصاء المعارضين، وكذلك تقريب المرتزقة الذين يدينون لها بالولاء، تبدل الجمهور، فأصبح كله مرتزقا، حيث غادر أولئك الأشراف الذين لم يعجبهم العرض، وآخرون سحبت منهم بطاقات الحضور، الجنسية، انسحبوا، أو وقفوا متفرجين غاضبين من بعيد..!

المخرج، بن جاسم، كان حاضراً بقوة طيلة فترة العروض، ذهب مسرعاً إلى «تل أبيب» وطلب دعم العرض وتمكينه والترويج له، بالطبع تدخل المطبل «بشارة» مرات عدة لتقريب وجهات النظر، ومع ذلك، ظل عرض «الدمية ماتريوشكا» عرضاً مسرحياً هزلياً هامشياً، ولم تنجح المحاولات المضنية، والدعم الذي يتلقاه، بوضعه ضمن قائمة العروض الجدية الحقيقية التي تنتشر في المنطقة.

تنجح خطة ماتريوشكا الكبرى، ولدها المدلل يصبح بطلاً للعرض الهزلي، لكن المسكين الذي لا حول له ولا قوة لم يستطع الخروج عن النص، سواء الذي يكتبه المخرج، أو يطغى عليه صوت المطبلين المرتزقة، وباتت خشبته مسرحاً وموطناً للإرهاب، فتضطر إدارة المسرح الرئيسية إلى مقاطعة العرض وإلغائه، وتركض ماتريوشكا تستنجد بمن يحمي ولدها المدلل وعرشه الزائل، وليستمر عرض مسرح العرائس في مكان آخر.

العرض الهزلي الركيك، المُقاطع من معظم الجماهير، يعرض الآن، حشو درامي عن زوجات البطل الهزلي، وصراعهن مع ماتريوشكا، الحماة الشرسة التي لم تتنازل قيد أنملة عن سلطاتها، ويحمل عنوان «صراع الحريم على عرش تميم»، لكن وفي خضم انزلاق حارستها «تركية»، وانكشاف حاضنتها «شريفة»، وأن هناك احتمال قيام حرب في مسرحها، فقد أعلن المخرج والمطبلون توقّف العروض إلى إشعار آخر.

ارحلي يا ماتريوشكا، فقد ضجت الجماهير، وتلطّخت الخشبة بالدم، ولم تَعُدْ عروض المكائد والمؤامرات وصراع الحريم تستهوي أحداً.