&جمال بنون&

يجب أن نعترف أن الكثير من رؤساء الشركات والمدراء التنفيذيين حظوا بتشجيع كبير من الأجهزة الرقابية أو بعض المتنفذين لاستمرارهم في مواقع نافذة، لمصالح مشتركة أو ترشيح شخص في منصب قيادي في شركة، ليت أن الأمر انتهى إلى بقائه كمدير أو مسؤول في هذه الشركة الكبيرة، بل إن الكعكة كان يتقاسمها عدد محدود من الاشخاص فطغت عليهم الأنانية والمصلحة الشخصية، وبالتالي ضاعت حقوق المساهمين وتآكل رأس المال وانهارت الكثير من الشركات بسبب وجود مدير أو أعضاء مجلس إدارة فاشلين، ولولا مبادرات رؤية 2030 التي أصرت على وضع نظام حوكمة الشركات والعاملين فيها، لاستمر الحال هكذا دون أن يعرف أحد وتضيع مساهمات ذوي الدخل المحدود ومتوسطي الدخل، وبقي عدد محدود من المدراء الفاشلين يسيطرون على الشركات الكبرى، وهذا لا يقلل من القلة القليلة التي عملت ولا تزال بإخلاص وأمانة في موقعها، إلا أنها كانت تواجه بصد عنيف من المتنفذين الفاشلين الذين كانوا يرون أن الشركات المساهمة هي الملاذ الآمن لهم لجمع الأموال بطريقة مشروعة وتبديدها بطريقة غير مشروعة، وخطط لا تسمن ولا تغني من جوع من خسائر متتالية لشركاتهم وتناقص الأصول ورأس المال، حتى تذوب الشركة في زحمة الإغفال عنها.


الأمر الذي دعاني للحديث عن هذا الموضوع، وأنا اقرأ التقارير المالية للكثير من الشركات المدرجة في سوق الأسهم، والتي كانت صادمة جدا، معظم الشركات الكبيرة التي ظهرت قبل سنوات عديدة، على رغم أنها كانت في السابق تعلن عن أرباح خجولة ودخلت في مشروعات عدة غير تلك التي تأسست من أجلها، وشراء أسهم لبعض الشركات الخاسرة، اليوم هذه الشركات تعلن إفلاسها، والبعض منها تريد خفض رأسمالها، الكثير من هذه الشركات خسرت 40 في المئة من رأسمالها وأخرى بلغت خسائرها 70 في المئة، أما الشيء الغريب في بعض الشركات أن ملاكها الذين أسسوا الشركة ومن ثم أصبحت مساهمة مفتوحة تدريجيا انسحبوا ببيع أسهمهم، ثم أسسوا شركة أخرى منافسة للشركة الأم، فكيف بالله يحدث هذا أن تنافس نفسك وتقضي على أموال المساهمين؟ ومنذ إعلان نظام الإفلاس في السعودية، ظهرت لنا عيوب الكثير من الشركات التي كانت تسير مغمضة العينين دون اكتراث، كنا نرى رئيس مجلس إدارة شركة متربعا على مقعد مجلس الإدارة منذ سنوات ولا أحد يحركه ولا يريد أن يفسح المجال لغيره، ومدير تنفيذي وصل بالواسطة ولا يفهم في أسلوب الإدارة شيئا، المهم أن يتمتع بالمزايا التي يحصل عليها المدراء من سفر وانتداب واجتماعات، ومن الغرائب أن بعض الشركات كانت تدفع أتعابا لمجلس إدارتها يفوق أرباح الشركة.

حتى الآن تقدمت 33 شركة بطلبات لإعلان إفلاسها، وجاءت أغلب الشركات الخاسرة في قطاعات التشييد والبناء والتأمين والزراعة والصناعات الغذائية والإسمنت، لكم أن تتخيلوا كيف كانت تسير هذه الشركات في السابق؟ لا بد أنها كانت تسلك طرقا ملتوية ومثل معظم الأنشطة التجارية التي انكشفت بعد إعلان رؤية 2030 أن من كان يديرها وافدون والمدير السعودي كان عليه أن يطمئن أن المبالغ تنزل في حسابه ولا يهم في توظيف السعوديين أو جودة العمل، حتى المناقصات الحكومية التي كانت تدخلها، كلنا نعلم كيف كانت تتم في السابق.

من بين الشركات التي أعلنت إفلاسها 14 مختصة في المقاولات، تشكل 42 في المئة من عدد الشركات المفلسة، وشركات صناعة الورق، وشركة ألبان وشركة أنابيب وشركة أخرى لا تعرف ما هو نشاطها بالتحديد، هل هي شركة سياحية أم أنها تجارية أم أنها صناعية؟! ولأنها لا تعلم هي نفسها ماذا تعمل شركتها فأعلنت إفلاسها، هل تعرفون لماذا خسرت هذه الشركات؟! لأنها كانت تعتمد على العمالة الرخيصة وأيضا على المشروعات الحكومية لأنها كانت تضمن فوزها، وحينما قننت الحكومة المنافسات والمناقصات ووضعت شروطا واضحة للحصول على هذه المناقصات خسرت أهم عميل وانكشف أمرها. لم تكن يوما تعتمد على قوتها للوصول إلى المستهلك.

صراحة؛ أخبروني ماذا أضافت هذه الشركات الكبيرة الهزيلة إلى الاقتصاد السعودي؟! الصناعات الغذائية كلها بطاطس وحلويات وسكريات وجميعها وكالات خارجية، وهكذا معظم الصناعات التي تنتجها هذه الشركات.

للأسف أخطاء الماضي يدفعها الآن المساهمون، هذه الاخفاقات للشركات السعودية الفاشلة بسبب بعض مدرائها التنفيذيين ذكرتني بقصة أحد المدراء الفاشلين، طبعا جميعنا يعرف بنك أوف أميركا أحد اقدم وأعرق البنوك في أميركا والعالم، كان يملك 1100 فرع ويعمل في 100 بلد مع إجمالي أصول قدرها 100 بليون دولار، وسجل إنجازات عدة وغير مسبوقة، وبحسب مجلة هارفارد بيزنس ريفيو، التي أشارت في كانون الثاني (يناير) 1980 إلى أن مجلس الإدارة تورط في تعيين مدير تنفيذي استطاع في غضون ثماني سنوات إبعاد البنك من موقعه كإحدى أفضل الشركات المالية في العالم ودفعه نحو أكبر خسائر في تاريخ قطاع البنوك الأميركي، وهذه الخسائر أثرت على سوق الأسهم وأيضا على الدولار الأميركي وتسبب في خسارة البنك لأكثر من 80 في المئة من قيمته، العبرة من هذه القصة هو أن اختيار المدير الجيد والفاهم للسوق أفضل من مدير لا يعرف موظفيه أو كيف يتعامل معهم، ويكتشف ضعف منافسيه ليتقدم أو كما قالت مجلة هارفارد الإدارة هي العنصر الأكثر أهمية في أي شركة.

قبل أن تدخل كمساهم أو مستثمر في أي شركة يجب أن تنظر إلى سجلها التاريخي وتعرف الفريق الإداري القائم عليها، وتكون لديك المعلومات الكافية عن نشاط الشركة ولا تنخدع في إعلاناتها المضللة التي تعتمد على دغدغة مشاعر المساهمين.