& &زهير الحارثي

&

&التحديث مستمر دون الانسلاخ من الجذور التاريخية والأطر الدينية والمحددات الاجتماعية، وتبين بما لا يدع مجالاً للشك أن ضرورات الدولة حتمت على صانع القرار اتخاذ ما يراه محققًا للمصلحة العامة دون أي اعتبارات أخرى. مشوار طويل تقطعه المملكة الآن، وقد بدأت الخطوات الأولى في درب النجاح

القرارات الحقوقية التاريخية لتحسين وضع المرأة السعودية جاءت لتختزل الزمن والمسافة في آن. هي لم تأتِ رضوخًا لأحد بل انطلاقًا من رغبة داخلية وضرورات ملحة لتوهج دولة نحو آفاق أرحب لشعبها، بتوفير حياة كريمة له، فالمرأة والرجل باتا إلى قدم المساواة أقرب في الحقوق والواجبات. تلك القرارات أعطت زخمًا يليق بمكانة بلادنا عاليًا في المحافل الدولية، وهو لم يكن من باب الدعاية، بل جاء تقديرًا واعترافًا للخطوات الجادة والمراجعات الدقيقة والتصحيحات المستمرة التي تقوم بها المملكة لتسير في الاتجاه الصحيح، مركزة على بناء شعب راق وحيوي. الإشادة بالتحولات التي تشهدها المملكة تؤكد أن التغيير حقيقي ومستدام، والتوجه واضح وصلب رغم المناكفات والمماحكات من هذا الطرف أو تلك الفئة، ولكن يمكننا القول إنه لا عودة إلى الوراء شاء من شاء وأبى من أبى، بدليل أن ما نعيشه هذه الأيام هو ترسيخ لمنطق الدولة وبامتياز.

الحياة المدنية في أي مجتمع في عصرنا الحديث تتشكل بمرور الوقت لتضمن له نمطًا من العيش الكريم والكرامة المستندة على الاحترام والمساواة والتعايش والتعددية، ولذا بمقدار فاعلية حركة الوعي والثقافة فيه، يتضح مستوى التقدم الذي وصل إليه. في كل مجتمع هناك فئة فاعلة وحداثية ترنو للمستقبل وهي قادرة على الاشتغال والإنجاز، وفئة مقابلة لها لا تعرف سوى التعطيل ومناهضة التغيير والخشية من التحديث. المصيبة أن الأخيرة لا تقف عند هذا الحد، بل تستشعر أن عليها دورًا مفصليًا في المواجهة، فتتجاوز موقعية السلطة والدولة، وترى أن لها حق التغيير والوصاية، فترهن تقدم المجتمع وتطوره بما تعتقد أنه صحيح وفق منطوقها، فتمارس دورًا مثبطًا ليس خوفًا على المجتمع، بل هو قلقها من فقدان مصالحها وامتيازاتها. يمكن القول اليوم إن تلك المرحلة أصبحت من الماضي، فتمكين المرأة أصبح حقيقة، والمجتمع دخل مرحلة استيعاب هذا التحول الاجتماعي الذي كان ملفًا شائكًا ومعطلاً لكثير من قرارات الحكومة.

التحديث مستمر دون الانسلاخ من الجذور التاريخية والأطر الدينية والمحددات الاجتماعية، وتبين بما لا يدع مجالاً للشك أن ضرورات الدولة حتمت على صانع القرار اتخاذ ما يراه محققًا للمصلحة العامة دون أي اعتبارات أخرى. مشوار طويل تقطعه المملكة الآن، وقد بدأت الخطوات الأولى في درب النجاح، وما هذه القرارات إلا إرهاصات لمستقبل مشرق.

كلما تعلق الأمر بالسعودية، وجدت مدحًا مموجًا أو نقدًا مقذعًا، وما نطمح إليه هو الحياد، ونظرة المحايد تعترف بأن ما تقوم به السعودية يثير التأمل والدراسة والإعجاب. الدول لا يمكن لها أن تنشأ وتنمو دون رؤية حضارية وعصرية وحداثة فكر وسلوك؛ لأن مضامينها هي التي تحدد تقدم المجتمعات أو تأخرها، ولذا فالحداثة تعني تحديدًا التقدم والتطور ومواكبة لغة العصر والتناغم مع الجديد دون أن يعني ذلك الانسلاخ مما تملك من موروث أو هوية. والحقيقة أن هذا المناخ هو ما نراه اليوم في سعودية اليوم.

أكثر المتفائلين يرون أن الإقدام على هكذا خطوات قد يستغرق بضع سنوات وربما أكثر من عقد من الزمن،&ولكن صدرت القرارات الحاسمة لتؤكد أن الدولة تتقدم دائمًا على المجتمع في تفاعلها الإصلاحي، وأن التحديث المتوازن هو نهج الدولة. أهمية مشاركة المرأة في العمل العام سواء كان اجتماعيًا أم اقتصاديًا أم سياسيًا لا تقل عن مشاركة الرجل؛ فهي قد أثبتت حضورها وقدرتها وإمكاناتها في كثير من المجالات العلمية. وهناك من السعوديات المؤهَّلات علمًا وقدرة باستطاعتهن تولي مناصب كبيرة في الدولة. في هذا السياق، ما يحدث في المملكة لا يدخل في دائرة مناسبة التوقيت أو طبيعة المرحلة وقدرة المجتمع على القبول. المسألة تجاوزت ذلك بكثير؛ لأنها لم تعد ترفًا بقدر ما أنها تتعلق بضرورات الدولة والمجتمع. بعبارة أخرى الموضوع مرتبط بقرار استراتيجي لصناعة دولة قوية ومدنية وفاعلة ومنتجة بمقوماتها وإمكاناتها، ولذا القرارات الصعبة لا يتخذها إلا القادة الخالدون.

تعيش المرأة السعودية عصرًا فريدًا ولافتًا؛ لأن ثمة إرادة وطنية غير مرتهنة للضغوط، تمضي قدمًا في مسيرة التطوير، وتنظر إلى المرأة على أنها عنصر أساس في التنمية، وشريك في المواطنة مثلها مثل الرجل.