&زياد الدريس&

المزاج الإنساني، المكوّن من ثنائي الذكر والأنثى، يعتمد كثيراً في تفضيلاته على الثنائيات: النهار أو الليل، الشتاء أو الصيف، الغابة أو الصحراء، القاهرة أو بيروت، لندن أو باريس، الشعر أو الرواية، السينما أو المسرح، القهوة أو الشاي، المالح أو الحلو، الرز أو المكرونة... الفلافل أو الشاورما!

الانحياز إلى أحد هذه الثنائيات لا يخلو من إسقاطات ثقافية ذات مضامين اقتصادية واجتماعية، وسيطول الحديث لو استطردنا في تفكيك دلالات كل (ثنائية)، لكني سأدع هذا واجباً منزلياً لمن شاء من القرّاء، وسأكتفي بالحديث عن ثنائية الشاورما وساندويش الفلافل (الطعمية).

ظل الانطباع السائد لدينا أن ساندويش الطعمية هو للطبقة الشعبية، أما الشاورما فهي نخبوية. تكوّن هذا الانطباع من جذور اقتصادية لتكاليف المكونات بين الحمص الرخيص واللحم الغالي، مما انعكس بالطبع على الفروقات في السعر بين الشطيرتين. من الطبيعي أن تكون محال بيع المواد الشعبية أكثر انتشاراً ووفرة من محال بيع المواد النخبوية، وهذا هو الواقع الذي كان، إذ بينما تنتشر محال الطعمية في الشوارع الفرعية والحواري، فإنك لا تكاد تجد محال بيع الشاورما إلا في الشوارع الرئيسية والأحياء غير الشعبية.



ظل الوضع هكذا لسنوات طويلة، لكنه بدأ يتغير أخيراً، فما الذي جرى؟!

لماذا انتشرت محال الشاورما بأسماء وأنماط متعددة، وفي كل الشوارع، حتى تكاد تغطي في عددها ووفرتها الآن على محلات الطعمية؟

هل أصبحت اللحوم أرخص من الحمص؟ الإجابة لا، لأن ثمن الشاورما ما زال أغلى من الطعمية.

هل تحسّن دخل الفرد بحيث أصبح قادراً على تشغيل محال الشاورما المتناثرة بكثرة في الطرقات؟ الأرقام المالية المعلنة لا تنبئ بتحسّن الدخل بل العكس.

هل تبيّن أن الشاورما أليق صحياً من الطعمية؟ أيضاً لا، لأن الأطباء ما زالوا يجلدون اللحوم بأخطار الكوليسترول.

إذاً ما الذي حدث، وجعل الشاورما تتحول من نخبوية إلى شعبية؟!

ربما أتى الهجوم على (نخبوية) الشاورما ضمن سياق الهجوم المتوالي على معاقل النخبوية في المجتمع، وتحويل كل الأشياء التي كانت في متناول أيدي البعض لتصبح في متناول أيدي الجميع؛ سياسة وثقافة ووعظ وإعلام وتجارة.

هل سيصبح متاحاً لمتذوقي الشاورما (الكلاسيكيين) العثور على النسخة الأصلية من الشاورما، وسط هذا العبث (الشبابي) الذي يمارَس في خلطاتها باسم حرية الرأي!؟

ذوبان الفروقات في الهيبة بين الطعمية والشاورما يحمل دلالات ثقافية قد لا تتوقف عند هذا الحد.

هذا زمن الشاورما الشعبية!