&عبدالله السعدون

&موجة الكراهية تنتقل كأمواج البحر من أقصى شرق الأرض إلى غربها، مستهدفة دور العبادة بشكل خاص، وبدوافع عنصرية يذكيها الإنسان، ويؤججها الإعلام أحياناً، ولا شيء يطفئها كنشر السلام والمحبة ومنها القوة الناعمة..

أثناء زيارتي لسيري لانكا قبل حوالي عشرين عاماً أطلعني سفير المملكة آن ذاك علي الحمدان، على عمل إنساني أثّر على مئات الأسر المسلمة في سيري لانكا، حيث أفاد أن أحد الوزراء أخذه إلى مساكن مسلمين نزحوا من شمال سيري لانكا حيث تدور رحى حرب أهلية بين التاميل والحكومة السيري لانكية، كانت المساكن تشبه الجحور مكتظة بالأطفال والنساء، وبعد أيام من زيارة السفير طلبت إحدى شركات النظافة أعداداً كثيرة من عمالة الصيانة للحرم المكي فما كان من السفير إلا أن طلب من الوزير إعطاءه عدداً كبيراً من أسماء أبناء أولئك النازحين، وأرسلهم إلى مكة المكرمة، وبعد عدة أعوام طلب منه الوزير أن يرافقه مرة ثانية لزيارة ذلك المكان السابق ليجد أن المنازل البسيطة قد بنيت وبعض الأسر الفقيرة قد انتقلت إليها بفضل أبنائها الذين يعملون في المملكة، تذكرت ذلك وأنا أتابع جهود رابطة العالم الإسلامي لعقد قمة للحث على تعايش الأديان في سيري لانكا بعد الأحداث الدامية التي هاجم فيها إرهابيون كنائس وفنادق قتلوا خلالها مئات الأرواح البريئة، وقبل ذلك حصل نفس الشيء في نيوزيلندا، وقد أحسنت المملكة في استضافة أسر الضحايا لأداء الحج على حساب خادم الحرمين، وهي لفتة جميلة وخطوة مباركة لتضميد الجراح وإشعار أهالي الضحايا أن العالم معهم والمملكة بشكل خاص، وفي حج هذا العام رأينا الكثير من المواقف المشرفة من القائمين على الحج من مسؤولين وكشافة وجنود حماية وأمن نقلتها محطات العالم المهمة عن المملكة ومواقفها الإنسانية، وتعكس المعدن الأصيل لقادة وأبناء هذا البلد الطيب الكريم.

موجة الكراهية تنتقل كأمواج البحر من أقصى شرق الأرض إلى غربها، مستهدفة دور العبادة بشكل خاص، وبدوافع عنصرية يذكيها الإنسان، ويؤججها الإعلام أحياناً ولا شيء يطفئها كنشر السلام والمحبة، ومنها القوة الناعمة التي تقودها المملكة وما رأيناه وسمعناه سوى بعض من تلك الجهود الخيرة.

والمملكة من خلال إمكاناتها الكبيرة وسفاراتها المنتشرة على مستوى العالم تقوم بدور بارز في سبيل نشر السلام والمحبة ومساعدة المسلمين على العيش الكريم في بلدانهم كما هو في القصة السابقة وما تقوم به رابطة العالم الإسلامي من جهود لتحقيق السلام والأمن الدوليين من خلال التعايش بين الأديان واحترام الآخر المختلف، ومنها ما قامت به الرابطة في مكة المكرمة في الخامس والعشرين من رمضان الماضي حيث أصدرت وثيقة مكة المكرمة التي تدعو إلى الحب والتسامح ونبذ العنف والكراهية، لكن ذلك كله بحاجة إلى جهود مستمرة ومن قبل جميع الحكومات في العالم ومنها العالم الإسلامي لتضمينها في المناهج ووسائل الإعلام وخطب المساجد حتى تصبح لغة السلام والمحبة هي السائدة بين الناس بدل التناحر والتباغض وكره الآخر المختلف.

الإنسان ومنذ أن وجد على هذه البسيطة وهو في صراع مستمر، صراع مع عوامل الطبيعة، وفي البحث عن العيش، ومع المرض والصحة، لكن أكثر الصراعات وأخطرها هو صراعه مع أقرب الناس إليه وأكثرهم حاجة له، وهو أخوه الإنسان، فالدول في صراع مع بعضها من أجل التوسع والإخضاع والبحث عن المصادر الطبيعية، والحروب الأهلية تبدأ صغيرة ثم تكبر وتستمر حتى تقضي على الأخضر واليابس وتخلف الدمار والفقر والمرض وغياب الأمن، والأديان في صراع من أجل التغلب والتوسع ونشر المبادئ، وحتى داخل الدين الواحد كما كان بين الكاثوليك والبروتستانت، وكما هو اليوم بين المذاهب المختلفة في الدين الإسلامي، ويستمر الصراع على جميع المستويات حتى يصل إلى أصغر خلية في المجتمع وهي الأسرة، فيتبرمج الأطفال على الكره والتباغض لينتقل من البيت إلى المدرسة ومنها إلى المجتمع.

تستطيع المملكة بما وهبها الله من إمكانات مادية وروحانية وسفارات تنتشر حول العالم وما تبذله رابطة العالم الإسلامي وغيرها من المنظمات الإنسانية أن تقوم بمبادرات إنسانية ومنهجية لتوجيه جهود القائمين على الأديان وليس الدين الإسلامي فقط نحو الخير والسلام والتعايش واحترام الآخر ونبذ العنف والكره، مع التركيز على دور الدين في الجانب الأخلاقي ليقاوم ما وفرته التقنية من سرعة ونوافذ كثيرة لنشر الحقد والكره والتعالي على الآخرين.