&محمد الحمادي&&

&

الاعتذار الأكثر عمقاً وتأثيراً هو ما سمعته بالأمس من الدكتور محمد الأصم ممثل قوى الحرية والتغيير في كلمته خلال الاحتفال بتوقيع اتفاق المرحلة الانتقالية في السودان عندما قال: «نعتذر عن غياب السودان لمدة 30 عاماً عن ركب الإنسانية والحضارة».

بهذه الجملة يلخص لنا السودانيون فهمهم ووعيهم لما مرت به دولتهم، وهو نفس ما خسره العرب والعالم من الغياب السوداني الكبير طوال عقود، وفي الوقت ذاته يتضح من هذا الاعتذار أنه رغبة قوية في العودة إلى المكانة الطبيعية لهذه الدولة ولشعبها الذي أكد أبناؤه أنهم شركاء في البناء والتنمية والتقدم، ليس في بلدهم فقط وإنما في العالم العربي وعلى مستوى العالم أيضاً.

المشهد الآخر الذي لفت انتباهي في فرح السودان، أثناء التغطية الإعلامية لفرحة الشعب بتوقيع الاتفاق، لافتة رفعها أحد المواطنين السودانيين بين الحشود مكتوب عليها «نريد السودان كاليابان» .. جميل أن يكون هذا هو الطموح، وهذا حلم مشروع وحق لأي مواطن وليس صعباً إذا توافرت الإرادة الحقيقية للتغيير، وهي رسالة لأولئك الذين قبلوا تحمل المسؤولية في المرحلة الانتقالية وقبلوا أن يكونوا مؤتمنين على أحلام الشعب، فلا ينقص السودان شيء كي يكون مع الأمم المتقدمة، بعد أن تخلص من الأفكار الرجعية وأصبح يحاكم الفاسدين ويضعهم تحت المحاسبة والمراقبة الدقيقة.

التجربة السودانية في التغيير نموذج عربي يستحق الاحترام، وأثبت السودانيون المدنيون منهم والعسكريون أن همهم هو السودان وأن اختلافهم كان على حب السودان وكيف يكون سودان المستقبل أفضل ومختلفاً وفي مستوى طموح الشعب السوداني .. وهذا أرقى أنواع الخلاف وأجمل الاختلاف.

أعين العرب والعالم ستكون موجهة خلال الأشهر المقبلة نحو السودان لإنجاح هذا الاتفاق، فهذه التجربة تستحق الدعم كما تستحق الاستفادة منها والتعلم من الحكمة السودانية في الاستفادة من الاختلاف والبناء على التغيير، فهذا الشعب الذي تحمّل نظام حكم مستبداً طوال تلك العقود وتخلّص منه برفع شعار السلام واللاعنف يستحق وطناً يشبهه وقيادة تحقق أحلامه وطموحاته.

ما حدث في السودان بالأمس انعكس بشكل واضح على الإمارات، ففرحة المواطن الإماراتي بالإنجاز السوداني كانت على جميع المستويات، وبلا شك أن دولة الإمارات بكل ما تمتلكه من إمكانات وخبرات ونجاحات ستقف إلى جانب السودان الجديد ليحقق المواطن السوداني أحلامه وطموحاته وتكتمل ثورته الثالثة بمستقبل يليق بمكانة وتاريخ هذا البلد.

أخيراً .. شكراً للسودان على هذا الدرس الحضاري في التغيير السلمي.