&فيصل العساف& &

على ما يبدو، جاءت "عاصفة الحزم" لما يسمى "الحراك الجنوبي" على طبق من ذهب، فتنفس الصعداء وغنّى على ليلاه صادحا بالانشقاق. هل ذلك في مصلحة تحالف دعم "الشرعية"؟ الإجابة هي: نعم ولا، نعم لأنه يضع الحمل عن كاهل التحالف في جزء مهم من اليمن، فمن افترق تبعا لمصلحته بعيدا عن المصير الذي كان يُرسم له أن يكون مشتركا، عليه أن يتحمل تبعات قراره منفردا ما دام يرى في شكله الحالي دولة مستقلة ذات سيادة! ولا، لأنه مثّل في جانب منه طعنة لشرعية الحرب التي قامت على أساس "دعم الشرعية"، وفي أحسن الأحوال يمكن اعتبار استعجال تحصيل (غنيمة) الجنوب بالدعوة إلى الانفصال، بمثابة النزول من جبل الرماة في غزوة أحد، ما أفسح مجال الالتفاف على المساعي المبذولة في سبيل تضميد جرح اليمن النازف! ثم ماذا؟ لا شيء في الحقيقة سوى التفرغ لصراع الزعامات، القديم الذي لن يلبث ويتجدد ما دام عامل "الأنا" وليس الحكمة هو جندي الحراك المجهول.


موقف الحراك الجنوبي في شكله الانتهازي هذا، يقوّض دوره في تحرير عموم اليمن من قبضة عوامل "اللّا دولة" التي تشكلت إثر انقلاب الحوثي، ومن نتائج ذلك أنه يضع السعودية -تحديدا- بين خيارين، أولهما وقف الحرب والتعاطي بإيجابية مع ما تحقق لها على الأرض، سواء أكان تحجيم سطوة الحوثي أم قطع طريق التمدد الإيراني، وهو ما يعني في محصلته النهائية ترك اليمن يغلي فوق بركان النزاعات إلى حد الإنهاك والتشرذم. الثاني، فتح الباب أمام تعاون آخر يمكنه لعب دور الحليف المحلي في الداخل اليمني، مع المضي قدما في قرار الحرب نحو هدف إنهاء أشكال التمرد كافة على اليمن واليمنيين، بالنظر إلى الدعم الذي تحظى به الحرب أميركيا وهذا هو "الأهم"، بخاصة وأن نوايا الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الحالة الإيرانية، ترمي إلى الحد كثيرا من نفوذها في المنطقة، وإلى ما هو أبعد من ذلك ربما! يدعم هذا الخيار درس العراق وسورية المستفاد من التوغل الإيراني ونتائجه الكارثية على جميع الصعد، إقليميا وعالميا، والذي كان مؤداه ضربات موجعة، لا تنفك قوات التحالف الدولي عن توجيهها لأذرعة إيران في البلدين العربيين.

بخصوص مسألة التوقيت "الخاطئ" للتداعي إلى "حق" تقرير المصير، فإن الحديث حوله بات مكررا، لكنه يشرّع الباب أمام مكاشفة من يرفعون رايته، إذ يمكن القول بمزيد من التقدير: ما هكذا تورد إبل الانفصال! هذه هي الحقيقة (القانونية) التي يحاول الحراكيون التحايل عليها من خلال اقتفاء أثر الحوثي، باتخاذهم سياسة فرض الأمر الواقع منفذا يتسربون من خلاله إلى تحقيق مأربهم، في قراءة يمكن وصفها بالرعونة السياسية التي تستعجل قطف الثمرة قبل نضوجها، لتفشل ثم تهوي باليمن. الوقائع تشير إلى أن عصابة الحوثي لا تزال ماثلة بعد هذه السنوات، وبالنسبة إليها فإن الجنوب كان (فوق بيعة) صنعاء التي ارتد إليها متحصنا بعد قرار ردعه مارس 2015، لكنه ليس في منأى من انتقامها لو قدّر التحالف خلط الأوراق بالانسحاب، على طريقة "الفوضى الخلاقة".