&عبدالله بن بخيت

&إذا أردنا أن نتخلص من كثير من بلاوينا علينا أن نتخلص من تعظيم الإنسان الغربي. صنع الإنسان الغربي الحضارة الحديثة التي ننعم بها، ويستحق التقدير، ولكن هذا التقدير لا يمكن أن يرقى إلى التعظيم أو القداسة أو اجتراح الخوارق كما يرى أعداء الغرب. لا بد أن ننظر إليه كإنسان، كل ما يملكه يمكن أن نملكه، وكل ما يصيبنا من مصائب الدنيا تصيبه أيضاً. عندما تتعرف على أي إنسان غربي ستراه مثلك بالضبط.. يحب ويكره ويخطئ ويمرض ويشيخ ويموت.

بدأت علاقتي الإنسانية والطبيعية بالإنسان الغربي مع رواية موسم الهجرة للشمال للكاتب السوداني الطيب صالح.

سأل أهل القرية مصطفى سعيد بطل الرواية عن الغرب، فقال لهم: إنهم مثلنا يحبون ويتزوجون ويشيخون ويموتون إلخ. أيقظتني هذه العبارة على أشياء كثيرة.

قبل هذه الرواية كنت راسخاً في الفخ الذي أوقعنا فيه الدعاة العروبيون والدعاة الدينيون؛ الغرب شيطان قادر على كل شيء. كل ما يحدث في بلادنا من صنع الغرب، السيارات والطائرات والمياه النقية، ولكي نشكره حمّلناه أيضاً كل الشرور التي نرسف فيها. حتى أصبح يملك قدرات خارقة. يعرف كل شيء يدور بيننا وبين زوجاتنا. إذا سقط حاكم فالغرب مسؤول عن سقوطه، وإذا اعتلى حاكم فلا شك أن الغرب صنعه وعينه.&كل شيء يحدث في بلادنا هو من صنع الغرب فلا حول لنا ولا قوة.

عقلية تصنيم الغرب عززها المعسكر الاشتراكي في القرن الماضي بعد أن اقتسم المنتصرون برلين المهزومة، بدأت الحرب الإعلامية والشيطنة المتبادلة بين الغرب وبين المعسكر الاشتراكي. كان الوضع السياسي في العالم يميل أخلاقياً لصالح الاشتراكيين. ما زالت بريطانيا وفرنسا وبقية الدول الأوروبية الاستعمارية تحتفظ بمستعمراتها، وما زال الفصل العنصري الجائر قائماً في الولايات المتحدة.&علاوة على الوعود اليوتيوبية التي كانت تبشر بها الاشتراكية العالمية.&سهل هذا الوضع على الاتحاد السوفيتي مهمة شيطنة الغرب؛ فالغرب ينهب ثروات الفقراء والغرب يتآمر على الضعفاء والغرب يريد أن يفسد الصالحين وعقائد المؤمنين وبنات المسلمين. نغمة تصاعدت بقوة في نفوس كثير من الشعوب العربية. حتى تحول هذا التشويه إلى مصدر قوة، فالإنسان الغربي لم يعد بشعاً وإنما أصبح سوبرمان. عملية التبشيع طالت كل شيء، كل عمل سياسي قبيح يكون مصدره الغرب، فالصراع في الصومال يديره الغرب، ومشكلة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا مصدرها الغرب، والتفجيرات في العراق نفذها الغرب، والإصلاحات في السعودية أو في الإمارات بتوجيه من الغرب إلخ.

في الوقت الذي يظن دعاة الكراهية أنهم يشيطنون الغرب في الواقع هم يصنعون منه إنساناً خارقاً.