أعمال عديدة مميزة عرضتها القنوات التلفزيونية خلال شهر رمضان، بعضها كان قوياً في إمكاناته الإنتاجية وتقنيات الإبهار والحركة، وبعضها كان عظيماً في طريقة كتابته وحواراته، وبعضها في أداء الممثلين المتقن جداً، وبعضها في طبيعة القضايا التي تبنتها تلك الأعمال والتي يمكن أن نصفها بالجريئة، والجرأة هنا موضوع إشكالي لغة ومعنى، خاصة حين نضعها في سياق ما يقدم من أعمال درامية أو حتى روائية!

الإشكال أو الالتباس مصدره ليس في الجذر اللغوي للمصطلح، ولكن في الطريقة التي عالج بها الروائيون والكتاب والمخرجون وشركات الإنتاج معنى الجرأة درامياً وحتى أدبياً، فكل جهة اختارت أن تفهمه وتعيد إنتاجه بطريقتها. وطريقتها هنا يقصد بها ما يوفر لكل منها أعلى نسبة مشاهدة، وبالتالي أعلى نسبة ربح وإن كان ذلك على حساب القيم والضوابط والقيمة الفنية للعمل، وهنا تأتي مرحلة الاختيار الشبيهة بتلك الأسئلة التي كنا نواجهها أيام امتحانات المدرسة فنقع في الحيرة والتردد، وغالباً ما نختار الإجابة الخطأ حينما لا نكون متأكدين من معلوماتنا، أو أن مذاكرتنا كانت كيفما اتفق تماماً كحال البعض من المخرجين والمنتجين الذين يحتاجون لمزيد من (مذاكرة) الواقع قبل التصدي لمشكلاته!

الامتحان الذي يقع فيه صناع الدراما مع إشكالية الجرأة، يجعل معظمهم يختار ما يحقق العائد المادي الأوفر، ثم فيما بعد يدخل في معركة كلامية مع النقاد والجمهور بسبب تلك (الجرأة)، فما هي الجرأة إذن؟ هل الشجاعة أم المجازفة بالدخول في مناطق صعبة، أم هي مس المحظور بشكل مكشوف وصادم وفج أخلاقياً؟ ثم ما الهدف من الجرأة أساساً؟ متى يحتاجها الأدب ومتى يتطلبها العمل الدرامي؟ ومتى تقدمها الدراما بشكل صحيح يخدم القضية والمجتمع وشركة الإنتاج في الوقت نفسه دون ضجيج وهجوم؟

مسلسل (صلة رحم) من الأعمال الجريئة التي قدمت بمنتهى الوعي والهدوء. ومسلسل (بدون سابق إنذار) من أكثر الأعمال المكتوبة بطريقة احترافية ملفتة مع مناقشة عميقة للمشاعر والمساحات الرمادية التي تهدد العلاقات والبيوت التي تبدو في خارجها آمنة، بينما «زوجة واحدة لا تكفي» فهو جريء حقاً لكنه في اتجاه معاكس تماماً!!