لم تأت تصريحات كل من خالد مشعل من الخارج ومحمد الضيف من غزة (إعادة بث جزء من كلمة القيت يوم 7 أكتوبر) حول الأردن من فراغ. هي أتت في سياق سياسة محور تقوده ايران في المنطقة وتهدف منذ اليوم الأولى لحرب غزة الى هز الاستقرار في الأردن صاحب الجغرافيا السياسية والبشرية المفصلية في المنطقة. كما أسلفنا كلام محمد الضيف الذي اعادت بثه حركة "حماس" قبل أيام مستعاد من كلمته التي اعلن فيها اطلاق عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023. وفيها إشارة الى الزحف من الأردن ولبنان وغيرهما من دول الجوار العربي. اما كلام خالد مشعل فليس جديدا. سبق له ان تناول الأردن محرضا الشعب الأردني على الزحف عبر الحدود متجاوزا الدولة ومنطق الدولة. لكن التوقيت الجديد أتى في اعقاب زيارة مشعل مع وفد من حركة "حماس" الى طهران للقاء القيادة، وفي مقدمهم المرشد على خامنئي.

وعندما نقول ان هذه الدعوات التي تمثل تحريضاً ضد الدولة في الأردن اكثر مما تمثل تحريضا على "الجهاد"" ضد إسرائيل، سبقتها مقدمات شهدتها الحدود الأردنية – العراقية في الأشهر القليلة الماضية، عندما وجهت فصائل عراقية تابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني جمهوراً مسلحاً نحوها في محاولة للضغط على الأردن وامنه في مرحلة من اكثر المراحل خطورة من الناحية الأمنية. وتقاطع الضغط المذكور مع ضغط من نوع آخر باشرته ميليشيات تابعة لإيران في الجنوب السوري على الحدود الشمالية للأردن بواسطة عصابات تهريب المخدرات العابرة للحدود التي يرعاها حسب معلومات استخبارية عربية ودولية "فيلق القدس" وبعض الجهات في النظام في سوريا. وخلال الأشهر الماضية حصلت معارك عبر الحدود ومطاردات ساخنة استخدم فيها الأردن سلاح الجو اكثر من مرة. كل ذلك حصل في وقت بدا واضحا ان ثمة سياسة خارجية تلاقيها جهات داخلية في الأردن استغلت مشاعر الغضب من الاجرام الإسرائيلي، هدفها خلط الأوراق في حرب غزة عبر تهديد استقرار الدولة في الأردن، وربما محاصرة النظام بشكل او بآخر.

في كل ما سبق فات قادة حركة "حماس" ان معاجلة الحسابات الخاطئة التي ميّزت حرب غزة عبر محاولة هز استقرار بلدان عربية مجاورة كالأردن ما كان ليشكل رافعة لتحسين الوضع الخطير الذي بلغته "حماس" على ارض المعركة. بل انه شكل ويشكل رافعة لمشروع إيراني كبير في المنطقة بدأ بالعراق ووصل إلى لبنان، وفلسطين واليمن. بمعنى آخر ان حركة "حماس" لم تكتف بالمغامرة بمصير مليونين ونصف المليون من اهل غزة، فانضم أركانها الى حملة ضد الأردن وبعض الدول العربية الأخرى. لكن في مرحلة متأخرة من الحرب لم يعد فيها الإسرائيليون يكتفون بحرب غزة، بل صعدوا حربهم الدموية ضد "حزب الله" في لبنان وسوريا. والأهم انهم صعدوا حربهم ضد ايران مباشرة عبر اصطياد كبار جنرالات "فيلق القدس" في سوريا ولبنان. وآخر الجولات الضربة الكبيرة وربما الأكبر منذ اغتيال قاسم سليماني قبل أربعة أعوام والتي شهدتها دمشق يوم الاثنين الفائت.

ان الخطأ الكبير الذي يرتكبه قادة حركة "حماس" أكان في غزة أو الخارج انهم لم يدركوا بعد أن القضية الفلسطينية، وإن كانت قضية عربية مركزية، إلا انها صارت قضية عاطفية. ولم تعد عنوانا للثورات او الانقلابات العسكرية في الدول العربية او الإسلامية كما كان الحال في القرن الماضي. وبات اللعب على الشعار والغريزة من الماضي. لقد صار التحريض على الأردن وغيره بضاعة كاسدة، وذلك بعدما تغيرت الشعوب بوعيها وهمومها. وبعدما تغيرت أولويات الدول والكيانات. والرسالة هي لإيران أيضاً.