الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي قتلت سبعة من كبار قادة "فيلق القدس" الإيراني في منطقة المزة في دمشق يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار حقيقي لـ"حزب الله" الذي يقترب من النار أكثر من أي وقت مضى. لقد سقطت قواعد الاشتباك التي توهّم "حزب الله" أن تل أبيب لن تتخلى عنها مهما صار على قاعدة أن الحزب المذكور اقتنع بأن ثمة توازناً واقعياً في القوى بينه وبين إسرائيل. لكن عملية "طوفان الأقصى" قلبت جميع المفاهيم، ونسفت قواعد الاشتباك مع إسرائيل التي تعتبر أنها تخوض حرباً وجودية. وعلى الرغم من الضغوط الداخلية والخارجية على حكومة بنيامين نتنياهو فإن ما يرفض "حزب الله" أن يدركه هو أن ثمة إجماعاً في الداخل الإسرائيلي عابراً للأحزاب والحساسيات السياسية يؤيد شن حرب واسعة ضد "حزب الله" في لبنان. فعملية "طوفان الأقصى" التي صدمت المجتمع الإسرائيلي، أطلقت الوحش الذي كان نائماً في المجتمع الإسرائيلي. و"حزب الله" متوهم جداً إن اعتقد أن حرب "المشاغلة" التي لا طائل منها هي التي ستغيّر من المعادلة على أرض المعركة في قطاع غزة. كما أنه متوهم جداً إن اعتقد أن إسرائيل ستتعايش مع ١٠٠ ألف صاروخ وآلاف المقاتلين المدربين على الحدود الشمالية الى ما لا نهاية.

هناك شيء جديد في إسرائيل، وأميركا ليست بغريبة عنه يتعلق بالأمن على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية. وسوف تستمر نار القضية متأججة حتى بعد انتهاء الحرب في غزة. ومن هنا خطورة الموقف الذي نشأ مع تورط "حزب الله" في حرب "المشاغلة"، وتوريطه لبنان بأسره بحرب ترفضها الأغلبية الساحقة من اللبنانيين.

لقد كشفت ضربة دمشق الأخيرة أن الإسرائيلي مستعد للذهاب بعيداً بقتل ضباط "الحرس الثوري" الإيراني قادة وكوادر الفصائل التابعة له في لبنان مثل "حزب الله" وأيضاً فصائل أخرى في سوريا والعراق. وثبت بالملموس أن اصطياد القادة الميدانيين الإيرانيين في سوريا بهذه الكثافة غير المعهودة ليس كافياً لجر طهران الى مواجهة مع إسرائيل في هذه اللحظة. ومن هنا فإن التصعيد الإسرائيلي المقبل في لبنان، مهما بلغ، لن يجر طهران الى اتخاذ قرار بتوريط "حزب الله" بحرب شاملة مع إسرائيل. من هنا تساؤلنا عما يريده "حزب الله" حقاً من هذه الحرب المغامرة التي لا تعني لبنان لا من قريب ولا من بعيد.

ان استمرار الرهان من جهة على أزمة سياسية في الداخل الإسرائيلي، ومن جهة أخرى على توتر بين إسرائيل وأميركا يدفع الى إنهاء حرب غزة قبل اجتياح رفح بشكل أو بآخر، وهمٌ آخر يضاف الى سلسلة الأوهام التي تهيمن على قادة "حزب الله" في لبنان وإيران من خلفهم. تماماً مثلما هو الرهان على ضرب استقرار الدولة في الأردن تحت عنوان "طوفان الأردن" السخيف أو بشعارات بعض الفصائل خلف الحدود مع العراق. إن المتاجرة بالقضية الفلسطينية باتت ورقة منتهية.

مطلوب من القوى السياسية اللبنانية التي ترفض مغامرات "حزب الله" أن ترفع صوتها لا أن تكتفي ببعض النصح من هنا، وبعض التلميحات من هناك. لا بد من موقف لبناني صريح وشجاع عابر للطوائف والأحزاب والمناطق.