جوزيه ساراماغو واحد من أهم الكتاب والروائيين على مستوى العالم في القرن العشرين، وهو برتغالي الجنسية ولد عام 1922 وغادرنا عام 2010، وفي تاريخه الأدبي روايات عبارة عن علامات مضيئة في تاريخ السرد الإنساني، وتحديداً روايته «العمى» التي إن قرأتها فإنه من المستحيل أن تتلاشى أحداثها العجائبية والمخيفة من ذاكرتك، ولسنين طويلة.

بعد «العمى» والنجاح الساحق الذي حققته وتحولها لفيلم سينمائي، كتب ساراماغو رواية «البصيرة» التي يبدو أنه أراد فيها أن يفند أموراً لم تبد واضحة بما يكفي للقراء في رواية «العمى»، وخاصة ما يتعلق بشخصية زوجة بطل الرواية الطبيب الذي أصيب بالعمى ودخل دار الحجز مع جموع العميان، التي ادعت أنها مصابة بالعمى، بينما كانت الوحيدة في المدينة التي لم تصب بالعمى فعلاً!

كتاب «المفكرة» كتبه في سنوات مبكرة، وتحديداً في العام 1976، وفيه مقالة قصيرة، يصف فيها العصر الحديث الذي نعيشه، ومن بين ما وصف به عصرنا قوله: «.. في كل يوم تختفي أنواع من النباتات والحيوانات، مع اختفاء لغات ومهن. الأغنياء يزدادون غنى والفقراء دوماً يزدادون فقراً. في كل يوم على حدة ثمة أقلية تعرف أكثر، وأخرى تعرف أقل. الجهل يتسع بطريقة مخيفة حقاً. في هذه الأيام نمر بأزمة حادة في توزيع الثروة».

ويصف موقفنا كبشر مما يحدث في هذا العالم، فيقول: «لقد تخلينا عن مسؤوليتنا عن التفكير والفعل. فقد حولنا أنفسنا إلى كائنات خاملة غير قادرة على الإحساس بالغضب، وعلى رفض الانصياع، والقدرة على الاحتجاج، الشركات المتعددة الجنسية تسيطر على العالم. ولا أعرف إذا ما كانت الظلال أم الخيالات هي التي تحجب الواقع عنا».

وفي حين تتراجع القيم، وتتلاشى النظرة العالية للأمور العميقة وللحرف الجيدة والحرفيين، فإن هناك أناساً كثراً لا يزالون يتمسكون بكل ما عاشته البشرية من تقييم عالٍ للجودة والقيمة والبصيرة في موقف مضاد للتفاهة والسطحية!

البصيرة التي كانت عنوان كتاب لساراماغو، والتي كانت هي الزوجة المبصرة الوحيدة وسط عميان رواية «العمى» كانت حملاً ثقيلاً لطالما تمنت الزوجة الخلاص منه، وأن تكون عمياء كالآخرين، ما يستدعي قول محمود درويش: «فإنّ البصيرة نور يؤدي إلى عدم أو جنون».