ونحن نتعاطى مع بعضنا البعض في البلد الواحد، أو مع الآخر في بيئات ومن ثقافات مختلفة ولكن باللغة نفسها، نلاحظ بوضوح أن كثيراً من العبارات وإن كنا لسنا من اخترعها، هي جزء لا يتجزأ من بناء ثقافي متكامل نعيش به وفي داخله، ولذلك فإن اللغة ومدلولاتها هي إرث ضخم ورثناه من أهلنا وثقافتنا وبيئتنا ومجتمعنا بكل حمولته الثقافية الكثيفة سلباً كان ذلك أو إيجاباً!

إن اللغة التي تجري على ألستنا وفي أنهار الحياة التي تتدفق من حولنا طيلة الوقت هي في المقام الأول أداة أو وسيلة للتواصل والتعبير ونقل المورثات وحفظ التاريخ الجمعي والفردي معاً، ومع ذلك فاللغة ليست محايدة أبداً، إنها واحدة من الطبقات التي تحمل ملامح وتغير وتطور المجتمعات، لذلك فاللغة بما هي ألفاظ نتفاهم بها وبما هي مدلولات تعبر عن أفكارنا وقناعاتنا، تطورت وتتطور باستمرار، بسبب تحولات الحياة واختلاط الثقافات ونمو المجتمعات، لذلك فلغة جدي تختلف عن لغتي، واللغة التي تستخدمها أجيال ما بعد ثورة التكنولوجيا لا تمت بصلة للغتنا!

اللغة تعج بإشارات عنصرية أو انحيازية، وحتى في الأدب والسينما هناك الكثير من الخطابات العنصرية أثناء الحوارات بين شخصيات العمل، تقال بشكل تلقائي، بينما تنضح هذه التلقائية بعنصرية وطبقية مقيتة، ضد الفقراء والمرأة والعرقيات المختلفة، تسمع دائماً أمثلة أو مقاربات وتشبيهات تنم عن نظرة دونية من خلال بعض التشبيهات والأمثلة والمسميات، وحصر سمات الضعف والانكسار والعجز والقبح والعبودية وقلة الحيلة بفئات وشرائح محددة!

يقول أحدهم للآخر «أنت أرجل مني» وهو يقصد امتداحه والثناء عليه باستحضار معانٍ ترتبط بالرجولة وتنحصر في الرجل، ويقول آخر «إنها امرأة بألف رجل» وكثير من ذلك نقوله كل لحظة، فهل الشجاعة صفة مقتصرة على الرجل فقط، ولماذا تربط الشجاعة والجرأة والشهامة والكرم بالرجل فقط؟ لماذا تعتبر القيم الفضلى اختصاصاً رجولياً؟ فإذا ظهرت في المرأة عدت استثناء أو أمراً غريباً؟ ألا يعد ذلك نوعاً من التمييز الثقافي معلن عنه لغوياً ومتداول منذ الأزل وحتى اليوم رغم تبدل المعايير والأخلاق والقيم؟