اشتهر الفنان حسين صدقي بأدوار البطولة في عدد معتبر من أفلام السينما المصرية بدءاً من أواخر الثلاثينات، وخلال العقود الثلاثة التالية، متقمصاً دائماً شخصية الرجل المحافظ الملتزم، بسبب نشأته على يد والدته التركية المتدينة، بعد وفاة والده وهو لم يتجاوز الخامسة.

وبسبب التزامه الديني ومواظبته على الصلاة وحضوره حلقات الذكر وابتعاده عن أداء الأدوار العنيفة أو تلك الخارجة عن الفضيلة، أطلق الجمهور عليه ألقاباً منها: «واعظ السينما المصرية»، و«الفنان الخجول»، و«صديق المشايخ». واللقب الأخير كان بسبب صداقته الوثيقة مع شيخي الأزهر الأسبقين محمود شلتوت وعبدالحليم محمود.

1917

وصدقي، المولود في يوليو عام 1917 بحي الحلمية الجديدة في القاهرة، دخل مجال الفن بتأثير من المسرحيين الثلاثة الكبار عزيز عيد وجورج أبيض وزكي طليمات الذين كانوا يدرسون معه بمدرسة الإبراهيمية نهاراً، ويتعلمون الفن مساء، فانضم إليهم وحصل على دبلوم التمثيل في أواخر الثلاثينات. وهذا مهد السبيل أمامه ليدخل السينما كبطل لنحو 32 فيلماً، عالج من خلالها الكثير من القضايا الاجتماعية مثل: دور رجل الدين في المجتمع ومشاكل الأيدي العاملة، ومشكلة تشرد الأطفال، وغيرها.

وفي عام 1942 أسس شركة للإنتاج السينمائي باسم «أفلام مصر الحديثة»، وراح ينتج ويخرج ويؤلف بنفسه أفلاماً تتوافق قصصها مع أهدافه في نشر الفضيلة والأخلاق السوية والوطنية في المجتمع مثل أفلام: «العامل»، و«الأبرياء»، و«أنا العدالة»، و«الشيخ حسن»، و«آدم وحواء»، «يسقط الاستعمار»، و«وطني حبيبي»، و«خالد بن الوليد»، و«قلبي يهواك»، و«المصري أفندي»، و«طريق الشوك». واستمر صدقي يعمل في السينما ويدخر من أموالها حتى استطاع في عام 1967 أن يبني عمارة كبيرة ملاصقة لمسجد بناه قبلاً، أطلق عليها «برج المعادي» لينتقل للسكن فيها من بعد 16 سنة أقامها مع زوجته (فاطمة المغربي) وأبنائه في فيلا تطل على النيل داخل حي المعادي.

مقترحات

وفي الستينات قرر اعتزال العمل الفني ودخول الحياة السياسية من خلال الترشح لعضوية مجلس الأمة، وذلك بحجة أن جيرانه من أهالي المعادي طلبوا منه ذلك ليكون صوتهم داخل المجلس. وبالفعل نجح صدقي في دخول المجلس لفترة واحدة، لكنه لم يكرر التجربة بدعوى أن كل المقترحات التي قدمها، ومن بينها مقترح بمنع الخمور في مصر، لم تلق آذاناً صاغية، وتمّ رفض النظر فيها.

وقبيل وفاته في السادس عشر من فبراير 1976 أوصى أولاده بأن يحرقوا كل ما يصل إلى أيديهم من أفلامه بعد رحيله، رغم أن معظم أفلامه لم تكن هابطة وخالية من أي شيء يسيء إليه. وقد كرر وصيته قبيل دقائق من وفاته، حينما خاطب أولاده قائلاً: «أوصيكم بتقوى الله، وحرق كل أفلامي ما عدا سيف الله المسلول خالد بن الوليد»، في إشارة إلى فيلم «خالد بن الوليد» الذي أخرجه ومثله بنفسه عام 1958 بمشاركة النجمتين مديحة يسري ومريم فخر الدين والفنانين عباس فارس وزكي طليمات وعمر الحريري وتوفيق الدقن وأحمد علام ومحمود السباع ومحمد السبع وعبدالرحيم الزرقاني.

استشارة

هذا ما هو شائع ومنتشر، لكن زوجة صدقي أفادت أنه قال لها قبل وفاته: «أنا مش راضي عن مجموعة من أفلامي»، دون أن يطلب حرقها. ولهذا فإن زوجته طلبت من ولدها القبطان بحري خالد صدقي أن يتصرف، فلم يستطع خالد أن يحرق أياً من أفلام والده، لأن جلها كانت مباعة للقنوات الفضائية. لاحقاً تدارس الأبناء الموضوع وقرروا استشارة الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي أفتى بعدم وجود مبرر لحرق أفلام صدقي لأنها بحسب كلامه «تتناول موضوعات هادفة ومهمة». وبعد رحيل حسين صدقي، وتحديداً في العام 1977، تمّ تكريمه من قبل الهيئة العامة للسينما باعتباره أحد رواد السينما المصرية.