في 26 مارس من العام الجاري تغيرت ترتيبات الخلع من الزواج في المملكة، وألغيت دعواه من منصة ناجز التي ترتبط بوزارة العدل السعودية، وقد كان قبل هذا التاريخ يعامل كقضية، وتزامن ذلك مع صدور نظام الأحوال الشخصية، منذ ما يزيد على عامين، وتحريك هذه القضايا يكون بمعرفة المرأة، والحكم يصدر لمصلحتها في الغالب، ولا يؤخذ رأي الزوج فيها، وبعد تعديلات أواخر مارس، تحولت القضية إلى مجرد إجراء إداري روتيني، يبدأ بتعبئة استمارة إلكترونية من قبل المرأة، وبتعويض الزوج مادياً عن مقدم الزواج، ولا يتم توثيقه ولا يصبح نافذاً إلا بموافقة الزوجين، بمعنى أن قبول الزوج بالخلع شرط أساسي لإتمامه، وعلى طريقة الموافقة على الوكالة أو عقد الإيجار، والتطوير الجـديد يعمل لصالح الطرفين، إلا إذا رفض الزوج، فإنه يحال إلى المحكمة، ويعامل كمنازعة قضائية، وأعتقد أنه جاء كردة فعل على الارتفاع القياسي في حالات الخلع، وتحديداً خلال الربع الأول من هذا العام، أو ما بين شهري يناير ومارس 2024، فقد سجلت وزارة العدل أكثر من 36 ألف حالة خلع في المملكة خلالها، مقارنة بـ52 حالة في 2022، والفـارق كبير بينهما.

لاحظ عالم النفس الأميركي جون غوتمن في دراسة أجراها، بأن 81 % من الزيجات التي تكون السلطة فيها بيد طرف واحد لا تعمر طويلاً، لأن المسيطر لا يهتم بخسارة المسيطر عليه، ويركز على مكاسبه وحدها، وما سبق يوضح الوضع الذي كانت فيه المرأة السعودية قبل تمكينها، ووصولها لمرحلة الاستقلال المالي والوظيفي، ولعل الخلع في معظمه يمثل انتقاماً من الرجل على موقفه القديم تجاهها، إلا أنه لا يبرر تعاملها المتطرف ضده، والاحتفال بالخلع وإعلانه على طريقة مؤثرات السوشال ميديا، والتأثر بالمثالية المصنوعة التي يقدمنها وتقليدها، ساهمت في زيــادة حالاته، وبطبيعة الحال الناس ليسوا ملائكة، والزوج لا يمكن أن يكون الشيطان الوحيد بينهم، لأن كل الأشخاص إذا تعرضوا لضغوط معينة يصعب التعايش معهم.

فكرة الزواج بدافع الحب لا يتجاوز عمرها المئتي عام، ولا يدخل فيه الحب العربي العذري، ولا عشق المحظيات والجواري، لأنها لا تأخذ صفة الزواج إلا بشرط الحمل والولادة، وقد ذكرت ستيفيني كونز في كتابها "تاريخ الزواج"، بأنه وظف لتقوية الروابط بين القبائل والعوائل، وبما يحقق إشباع مصالح مشتركة بينهم، والحضارات السابقة تعاملت معه بطرق مختلفة، فاليونانيون كانوا ينظرون إليه باعتباره جنوناً، وفي الصيـن كانت العلاقة العاطفية الأهم في حياة الرجل ترتبط بوالديه، ومنع الرومـــان تقبيل الرجل لزوجته أمام أحد، وتصرف من هذا النوع قد يؤدي إلى الطرد من العمل، وفي أوروبا القرون الوسطى لم يكن مسموحاً للزوجة بأن تقــوم بتدليــع زوجها، حتى لا توصف بسوء الأدب، وأنه غير مسيطر عليها، والخلـع من الزواج الإسلامي، لا يساوي الكـــره بعد الحب، وهو أقرب إلى النفور من الزوج نفسه، كما في حادثة طلب الخلع لزوجة ثابت بن قيس، التي أقرها الرسول عليه الصلاة والسلام.

الشباب السعودي في سن الزواج، يعانون هذه الأيام، من هواجس نفسية تعرف باسم (رهاب أو فوبيا الخلع)، ويفضلون الزواج من غير الموظفات لأنهن أقل جراءة عليه، ولأن المرأة الموظفة ليست مأمونة الجانب، في رأيهم، وقد تقوم بطلب الخلع لاتفه الأسباب، أو للمباهاة والتفاخر وإظهار السيطرة، والمؤمل أن يسهم الإجراء العــــدلي المشروط بموافقة الزوج في تبديد المخاوف، ومن باب التحوط للأسوأ، على الرجال أن يحتفظوا بفواتير لكل مشتريات زوجاتهم، حتى يستردونها عند طلبهن المخالعة.

في الواقع الطلاق والخلع لا يعتبــــــران نقيصة في حق الرجــــل، ولا تحتويها سجلاته الرسمية كما المرأة، وبعض الخلع مقبول لرفع الضرر، وهو يختلف عن فسخ عقد الزواج، الذي لا يكون إلا بوجود عيوب شرعية في الرجل، كالعجــــز عن النفقــــــة، أو عدم القيام بالواجبات الزوجية، أو إدمان المخدرات، وبالتالي فهو ينعكس سلباً على المرأة دون غيرها، خصوصاً أن 60 % من نزلاء دور الملاحظة أو الإصلاحيات في العالم، ممن تقل أعمارهم عن 18 عاماً، هم في الأصل أبناء لعوائل غير مستقرة، أو مخالعين ومطلقين، بخلاف أن تيسير عملية الخلع جاء لإيقاف حالات تعليق المرأة والتلاعب بها، وتركها لا متزوجة ولا مطلقة، وليس بغرض التفريغ النفسي وإغاظة الآخرين.

المفروض، في رأيي، إقامة دورات إلزامية لتأهيل المتزوجين قبل الزواج، مثلما يحدث في الفحص الطبي للزواج، ومعها تقريران، الأول لإثبات ملاءة الرجل المالية، والثاني لتأكيد خلو طرفي العلاقة الزوجية من الأمراض النفسية، ويمنــــح الرجل والمرأة بعد تجــــاوزهما رخصة زواج، لا يتـم عقد الزواج إلا بها، والأنسب أن تدار المسألة بالكامل، في مراكز حكومية مجهزة لهذا الغرض، وبمعرفة مختصين مرخصين، وتحت إشراف مباشر ومتواصل من وزارات العدل والصحة والموارد البشرية، ومعهم البنك المركزي السعودي.