حينما يغيب الضمير الإنساني فلا رادع له إلا عين التقنية، ولا فاضح لسلوكه القذر سوى تلك الكاميرات المعلقة بعشوائية في الشوارع، ومع تصاعد شعبية التطبيقات الاجتماعية تتزامن معها الكثير من التحولات في السلوك الاجتماعي، والكثير من الوقاحة والاستهتار لدى بعض الفئات التي لا تكترث لعواقب الأمور، ولعل قطاع الخدمات النسائية الذي يخضع للكثير من سطوة العادات والمحرمات يمنع أو يحد من وجود كاميرات مراقبة في أماكن مهمة جدا كالأندية الرياضية والصالونات الخاصة بالتجميل، ما يعني تسطيح معدلات الجريمة لدى الإناث وهذا لا يخدم أحد في المستقبل ولا الحاضر، من المهم أن تكون هناك استبيانات دورية عن انزعاج البعض من عدمه في حال غياب أو توفر الكاميرات ومن غير المنطقي أن تشعر المواطنة بخطر التعدي سواء كانت عاملة أو عميلة.

في عصر إنترنت الأشياء ونحن جزء من هذا العصر، فإن بنية التقنية وتكامل وظائفها تسهل تبادل الخدمات وأيضا تعزز مفهوم المدينة الآمنة لتضمن مرونة البنية في مواجهة الهجمات، ومصادقة البيانات، والتحكم في الوصول، وحماية خصوصية العميل. ويجب أن يأخذ الإطار القانوني الملائم التكنولوجيا الأساسية في الاعتبار، ومن الأفضل أن يتم توافقه مع الأنظمة الدولية، وأن يكون وفقًا للاحتياجات المحددة وبالتالي يصبح قابلاً للتعديل بسهولة. ويجب أن تشمل محتويات التشريعات المعنية الحق في الحصول على المعلومات، والأحكام التي تحظر أو تقيد استخدام الكاميرات، والقواعد المتعلقة بتشريعات أمن تكنولوجيا المعلومات، والأحكام التي تدعم استخدام آليات التنقية وإن يكون هناك فريق عمل يقوم بإجراء أبحاث حول التحديات القانونية والاجتماعية للكاميرات الخاصة بالرقابة.

في هذا الصدد فقد أجرى الدكتور المختص يزيد بن أحمد الخريف دراسة مهمة جدا وقد تفتح الآفاق لدراسات محلية مساندة بعنوان: "وعي المستخدمين بأمن المعلومات بشأن مراقبة الدوائر التليفزيونية المنزلية المغلقة"، الدراسة تضمنت مقابلات شخصية مع ما يقارب 77 شخصاً في منطقة الرياض، وقد كشفت نتائج التحليل عن أربعة محاور جاءت كما يلي: انتهاك الخصوصية، والوعي بالخصوصية، ومعضلات تنفيذ الأمن، والتدابير الوقائية، الدراسة أكدت أن المشاركين طلبوا سياسات خصوصية صارمة لتثبيت أنظمة مراقبة فيديو "CCTV" في المناطق الخاصة، وهو بلا شك أمر يعكس ضرورتها، دراسة عالمية أخرى بعنوان "لا ترى أي شر: التحديات المعرفية للمراقبة والرصد الأمني" للباحثة هيلين هودجت وآخرون، خلصت إلى أنه في حين أن تطوير التقنيات الذكية في المراقبة الأمنية يمكن أن يعزز القدرات البشرية، إلا أنها لا تحل محل دور المشغل بالكامل؛ على هذا النحو، عند تطوير دعم المراقبة، من الأهمية بمكان أن تؤخذ القيود المفروضة على النظام المعرفي في الاعتبار. واستعرضت الدراسة التحديات المعرفية المرتبطة بمهمة مشغل CCTV: البحث البصري والحمل المعرفي / الإدراكي الزائد، والفشل المتعمد، والتعرض للتشتيت، واتخاذ القرار في بيئة تتطور ديناميكيًا، على الرغم من عدم تطبيقه بشكل مباشر على قضايا المراقبة، فإنها اقترحت أن نموذج الاهتمام NSEEV (الملاحظة، والجهد، والتوقع، والقيمة) يمكن أن يوفر أساسًا نظريًا مفيدًا لفهم التحديات التي تواجه مهام الكشف والمراقبة، بعد تحديد القيود المعرفية للمشغل البشري، تحدد هذه المراجعة أجندة بحثية لمزيد من فهم الأداء المعرفي المتعلق بالمراقبة، وتسلط الضوء على الحاجة إلى مراعاة العنصر البشري في مرحلة التصميم عند تطوير الحلول التكنولوجية للمراقبة الأمنية.

أخيرا، فإنه غالبا ما تتم مناقشة توظيف التقنية في المراقبة لدى الكثير من الأسر في مجتمعنا وكأنها شكل من أشكال الرفاهية والحقيقة أنه علينا أن نفكر كما يفكر المجرمون وأن تسبقه دائما بعشر خطوات على الأقل، لا أن ترضخ لسطوته ولراحة الجهل، ولو أردت اختصار ثلاثة أهداف أساسية لتمكين هذه الثقافة كممارسة مجتمعية ستكون كما يلي: هدف خاص بالتنبؤات بمعدلات الجريمة، وهدف خاص بتداخلات الجهات وتباين الممارسات وخضوعها للاختيارات الشخصية، والأخير بهدف التقييد للعشوائية ورفع التحكم بالشارع وأماكن تجمعات البشر، هذه ليست دعوى للتشاؤم، لكن ما وصلنا إليه اليوم من رفاه اجتماعي علينا أن نحافظ عليه فهي أمانة للأجيال، وأن نقلص ونضبط معدلات الجريمة الاجتماعية قدر المستطاع.. دمتم بأمان.