من خلال تصفحي للإنترنت مرت عليّ هذه القصة التي تدور أحداثها في إحدى دول ما وراء البحار، وهي عن مدير جشع استغل ثقة مجلس إدارة الشركة التي يعمل بها، فحوّلها إلى ساحة خلفية تغذي طموحاته وتشبع مآربه الشخصية. لم يقتصر فساده على مجرد استغلال السلطة الوظيفية، بل تخطاه إلى تهميش أعمدة الشركة القدامى، أصحاب الخبرات والدرجات العلمية العالية، حيث استبدل بهم بعض من أقربائه والمتعاونين معه. وبهذا التصرف أحال الشركة برمّتها وأغلبية عوائدها المادية لتحقيق مصالحه الخاصة.

لكن بمرور الوقت، كان لا بد أن ينقشع الضباب ويكشف الستار عن الحقيقة، لتتم تنحية هذا المدير ويعيَّن مسؤول جديد على أمل إصلاح الأوضاع. ومع ذلك، بعد إقالة المدير الفاسد، ظلت المشكلة قائمة؛ لأن نفس الأشخاص الذين ساعدوا المدير السابق ظلوا محيطين بالمدير الجديد، فبقي الفساد حاضراً ومستمراً.

كل هذا وما زالت تتكشف أمور جديدة وتفاصيل فساد تأصلت في هذه الشركة، والمدير الجديد لا يزال يحاول، دون جدوى، معالجة ما تسبّب به المسؤول السابق من فساد. يعزى هذا، في رأيي، إلى استمرار وجود شلَّة المدير السابق، وضعف المدير الحالي، مما أدى إلى تعثر عمليات الإصلاح.

هناك مقولة قديمة سمعتها من والدي، رحمه الله، مفادها أن شخصين كانا يتحدثان عن مرض، فقال أحدهما: «داوها تبرى»، فأجاب الثاني: «لا قصها تبرى». بمعنى أن أحدهم قال لصاحبه: «عالج هذا العضو وسيشفى»، فرد عليه صديقه قائلاً: «لا، بتره هو الأفضل». والمقصود أنه أحياناً لا يمكن علاج جرح أصاب عضواً إلا ببتر العضو كاملاً.

لكن ما جرى كما يبدو في قصتنا هذه هو إبعاد المسؤول أو المتسبب بالفساد من منصبه، دون معاقبة المتعاونين معه. لذلك، أتخيل نفسي لو كنت بموقع سلطة في هذه الشركة، فلن أكتفي بالشخص المسبب للفساد فقط، بل سأتبعه «بالشلة» كلها من أقربائه وأصدقائه وكل شخص تواطأ معه أو ساهم بأي شكل من الأشكال في هذا الفساد. وبالتالي، أضمن أن من سيأتي بعده سيحظى بساحة نظيفة، يستطيع فيها أن يعمل بنزاهة ويعيد كل شيء إلى مجراه الطبيعي.

أخيراً، الساحة في أي مجال من مجالات العمل يجب أن تبقى نقية وخالية من أولئك الذين يضعون مصالحهم الشخصية قبل مصلحة العمل، وهذا لن يتحقق إلا من خلال المتابعة المستمرة واختيار الأشخاص المناسبين ممن لديهم رقابة ذاتية تدفعهم إلى الالتزام بالمعايير الأخلاقية والحفاظ على مصلحة المكان الذي يعملون فيه من أجل الوصول إلى الأهداف المرسومة دون أي معوقات.