في عام 2021 غامرت GMA، وهي شبكة تلفزيونية رائدة في الفلبين، بتوسيع مدارك غرف الأخبار التكنولوجية؛ لرفع مستوى اهتمام الشباب بمضامين ما تقدمه من أخبار، وتبعًا لذلك درس جايمارك تورديسيلا، رئيس الوسائط الرقمية بمعية فريق الشبكة سلوكيات المشاهدين من هذه الشريحة، ووجدوا بُغيتهم في "تيك توك"، كمنصة للتفاعل؛ نظرًا لأن 40 ٪ من مستخدميها تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً في ذلك الوقت، فخرجوا بمشروع يُحفز الفئة الشابة على أن يكون مراسلين ومقدمي أخبار على TikTok من خلال مشروع عُرف حينها باسم (#24OrasChallenge)، هدف الفكرة ومسارها الرئيس دفعاهم أيضًا إلى استكشاف المهارات لدى الشباب، من خلال صنع الشباب لأخبارهم المختلفة بأنفسهم، فماذا كانت النتيجة؟ باختصار، نجحت التجربة باستقطاب أكثر من 55 مليون مشاهدة على منصة الشبكة في "تيك توك".

التجربة الإعلامية الفلبينية، سلطت الضوء على الطلب غير المتوقع بالنسبة للمحتوى الإخباري من الجمهور الشاب على TikTok، وأكدت أيضًا على أهمية الهواتف المحمولة كجهاز أساسي متصل، وإدراكاً لذلك، استفادت الشبكة من هذه الحملة الكبيرة، وضمان إيصال الأخبار إلى الجمهور الذي يحتاجونه بشكل ترفيهي، بحيث لا تتجاوز الفقرة الإخبارية دقيقة كحد أقصى وبما يناسب طريقتهم، وهو ما يؤكد أن فهم احتياجات الجمهور لعب دورًا حاسمًا في نجاح أهداف الشبكة.

كتبت "يوين سي ثام"، ورقة غاية في الأهمية بعنوان "خطوات تقييم تجارب التكنولوجيا في غرف الأخبار.. تقنية "الميتافيرس" نموذجًا"، وهي كبيرة المراسلين السياسيين لصحيفة ستريتس تايمز السنغافورية، وتنشط في إعداد محتوى الوسائط المتعددة، وغطت أيضًا قصصًا لمجموعة واسعة من الموضوعات من قضايا الجريمة والمحاكم إلى التكنولوجيا وجائحة COVID-19، يستند ملخص الورقة السابقة على توجيه دعوة مفتوحة لجميع غرف الأخبار على مستوى العالم بضرورة اختيار التقنية المناسبة وبما لا يتعارض مع استراتيجيتها الشاملة، وشرعت "يوين سي ثام"، في خريف عام 2022، برحلة لاستكشاف فرص ابتكار الأخبار في metaverse (ميتافيرس) من خلال برنامج زمالة معهد رويترز لدراسة الصحافة بجامعة أكسفورد، استند إلى أن الميتافيرس يُعتبر الحدود الثورية المقبلة، خاصة بعد إعادة تسمية مارك زوكربيرج الجريئة لـ Facebook إلى Meta، وضخه استثمارات كبيرة لتطوير هذا العالم الافتراضي، وتزامن ذلك مع توقعات إمكاناتها المذهلة، وسط تقديرات سوقية لهذه التقنية تبلغ تريليونات الدولارات، ولكن، بحلول صيف عام 2023، تضاءل الحماس حول metaverse، وسارع الكثيرون إلى إعلان زوالها المفاجئ، وتوجه الناس -بما فيها وسائل الإعلام الكبرى- بشكل متصاعد إلى ما يعرف بالذكاء الاصطناعي التوليدي و Chat GPT بدلاً من ذلك.

ومن التجارب الناجحة التي استعرضتها كاتبة الورقة العلمية في ميتافيرس، "مبادرة الحجر الأسود الافتراضي" -ديسمبر 2021- في المملكة العربية السعودية؛ وذلك بهدف استخدام الواقع الافتراضي (VR) والتجارب الرقمية، لمحاكاة أكبر عدد ممكن من الحواس، مثل الرؤية والسمع واللمس.

وفي نهاية عام 2022، أصبح الذكاء الاصطناعي التوليدي (خاصة ChatGPT) هاجس التكنولوجيا الجديد، ولا يكاد يمر يوم دون مقال آخر حول الثورة التي سيحدثها الذكاء الاصطناعي، إلى كيفية تعلمنا أو بناء عملنا، وكيفية ممارسة الصحافة، وتُعد صحيفتا "وول ستريت جورنال" و"ديلي ميرور وإكسبريس" من بين المؤسسات الإخبارية التي استخدمت الذكاء الاصطناعي لكتابة التقارير الإخبارية.

يُعد السياق السابق، مثالاً على اللغز الذي تواجهه غرف الأخبار عند تبني التكنولوجيا، وكيفية الاختيار بين التقنيات الداعمة لصناعة محتواها؛ من أجل للحاق بركب المنافسين، ولمواجهة هذا التحدي، اقترحت يوين سي ثام خطة من خمس خطوات لمساعدة غرف الأخبار على تحديد الفرص التقنية التي تستحق وقتها ومواردها، والتي جاءت بعد دراسة متعمقة ومقابلات مهمة مع عدد من مخضرمي قيادات الأخبار على مستوى العالم، إلى جانب باحثين بارزين متخصصين فيما يعرف بـ"الابتكار الإعلامي" و"الابتكار الإعلامي الرقمي"، وهي: (الخطوة الأولى): تحديد طبيعة الفرصة، (الخطوة الثانية): تعرف على ما يريده جمهورك ويحتاجه، (الخطوة الثالثة): تحديد المشكلة التي يتم حلها، و(الخطوة الرابعة): التطلع إلى المستقبل، و(الخطوة الخامسة): حدد أهدافك واستراتيجيات لإدارة التغيير.

وبما أن المنصات الإعلامية تُمثل اليوم إحدى أهم أدوات القوى الناعمة السعودية، أتصور أننا بحاجة ماسة إلى تحديد المسارات التقنية التي ستحتاجها كل وسيلة/ صحيفة/ منصة لتحقيق أهدافنا الوطنية.. دمتم بخير.