(مارينا جابر ) شابة اعلامية وفنانة وناشطة مدنية عراقية عرفت مؤخرا بـ( فتاة البايسكل )، بعد ان نشرت صورها على مواقع السوشيال ميديا ، وهي تقود دراجة هوائية حمراء اللون في شوارع وأزقة العاصمة بغداد متحدّياً العرف القائل بأنّ ( المرأة هي وليمةً جنسيةً مثيرةً وعورةً ) . 

ولكسر حاجز العادات والتقاليد و الأفكار والآراء والقيم الأخلاقية الرجعية السائدة في المجتمع العراقي والتي تعيق تطور المرأة بحجةالحفاظ على التقاليد والقيم والأعراف كذبا ونفاقا , نظمت الاعلامية الشابة ( مارينا ) جولة للشابات الجماعية على الدرجات الهوائية تحت اسم ( أنا المجتمع ) , حيث شارك فيها ناشطات مدنيات بينهم مجموعة من الشباب , لكسر حاجز العادات والتقاليد و الأعراف الاجتماعية المتخلفة والتي تقف دوما بجانب الرجل عند رغبته في الحد من نشاط المرأة السياسي والاجتماعي والثقافي والرياضي بحجج واهية .

وبعد انتهاء جولة الشابات الجماعية على الدراجات الهوائية، ارتفعت حدة بعض الأصوات والتغريدات من هنا وهناك تنادي بوقف هذه (النشاطات المنافية للقيم والعادات الاجتماعية العراقية) ,كما اعتبر البعض ان قيادة الدراجات الهوائية من قبل النساء سيفسد المجتمع ويثير الرجال (وخاصة انها تجلس على مقعد مكشوف قد تثير الرجل ,اضافة الى طريقة الركوب والتي ستكشف عورة المراة ) , كما طالب البعض من الجهات المسؤولة المتمثلة بـ (جهاز الأمن الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب وجهاز المخابرات الوطني) ان تقوم بواجبها تجاه اللواتي ركبن (البايسكل في شارع أبي نؤاس) كما هددوا بقطع يد كل من قام بهذا العمل المنافي للقيم العراقية ووصوفوا الحملة بـ(الفتنة والفاضحة ) ؟

ومن المضحك المبكي بعد انتهاء جولة ( انا المجتمع ) صرح احد شيوخ العاصمة بغداد وقال في تصريح سريالي غير مفهوم : ( لا مانع من ركوب المرأة للدراجة النارية أو الهوائية لغرض الوصول للمدرسة ، أو العمل ، أو الجامعة أو في التنقل من منازلهن إلى محطات وسائل النقل العام , ولكن بشرط ان تكون بعيدة عن أعين الرجال ) وهنا اضع خط احمر عريض تحت عبارة (لا مانع من ركوب المرأة للدراجة النارية أو الهوائية ولكن بشرط ان تكون بعيدة عن أعين الرجال ) ؟!, ومن جهة ثانية نسى هذا الشيخ تماما او تناسى او جهل او تجاهل أن المشكلة الحقيقية لاتكمن في ركوب المرأة للدواب بل المشكلة الرئيسية تكمن في (عيون والعقول والثقافة والفكر (الابوي) الذكوري الدوني والعنصري المتخلف تجاه المرأة وحقوقها الاساسية .

من منا لايعرف ان التاريخ حقيقة , والحقيقة لايمكن ان تهمل او تلغى , فعلى سبيل المثال لاالحصر إذا قلبنا صفحات التاريخ فإننا سنرى فيه حقيقة واضحة وضوح الشمس ، ألا وهي : إن المرأة العربية كانت في العصر (الجاهلي والعصر الإسلامي) تركب الإبل , كما روى البخاري (5365) ومسلم (2527) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الاسلام قَالَ : (خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ) , اضيف الى ذالك ان بعض الصحابيات اللواتي شاركن بجوار جيوش المسلمين أثناء عزواتهم ومعاركهم ،اضافة الى النساء المسلمات اللواتي شاركن في تطبيب الجرحى أثناء المعارك, ركبن الجمال والحمير والخيول , وعملن بالتجارة والزراعة , وفي ضوء التقدم التكنولوجي تم التعويض عن الأبل والخيول بالمركبات والدراجات الهوائية والنارية , فما الضير إذنفي ان تقود المرأة الدراجة او السيارة اوالباص او الطائرة او المركبات الفضائية بدل الإبل والخيول ؟ 

اضافة الى ذالك ان قيادة الدراجة الهوائية هي ثقافة رياضية تهدف الى العقل السليم والجسم السليم , حيث أظهرت دراسة جديدة أن قيادة الدراجة الهوائية باستمرار كوسيلة نقل أو حتى للمتعة في أوقات الفراغ قد يجعل الأشخاص أقل تعرضا لأمراض القلب والشرايين بالمقارنة مع الأشخاص الذين لا يقضون وقتا كبيرا في ركوب الدراجات. 

كما تهدف قيادة الدراجة ايضاً لبيئة نقية , اضافة الى قليلة التكلفة ,ويمكن ممارستها في أي وقت وخاصة في اوقات الازدحام والاختناق المروري في المدن الكبرى ، اضافة الى انها حرية شخصية كفلها الدستورالعراقي .

اخيرا اقول : لاتزال المرأة في مجتمعاتنا تجبر على أن تتغطى بالسواد من أعلاها إلى أسفلها ، ويحدد لها العمل في مجالات دون غيرها، وتمنع من السفر بدون محرم وكأنها قاصرة وناقصة ، تضرب وتهان في منزلها أن كان مع أسرتها أو زوجها دون أن يعاقب من يؤذيها ويهينها ، وإن أخطأت لا يغفر لها بعكس الرجل .

اقول للزميلة (مارينا جابر ,التي تقود ثورة ناعمة ضد مظاهر التسلط والعنف الذكوري وتواجه التحديات بكل جرأة ) : ان المشكلةالاساسية لاتكمن في ركوب المرأة للدواب , وانما المشكلة الرئيسية تكمن في عقل وفكر الرجل الشرقي المتخلف الذي يرى بان المرأة هي (قاصرة وفتنة وعورة وناقصة ) , ويتناسى بان العور كله فيه .

نعم يا ( مارينا , ان المشكلة الرئيسية تكمن في مجتمعنا الذكوري) وعاداته البطريركية ) الذي يرى بان المرأة هي مجرد سلعة للإثارة الجنسية وهي ملكية خاصة تابعة للرجل وليس لها في الحياة سوى تلك المساحة الوهمية التي حددت لها .

اختتم مقالتي بمقولة الروائي المصري الكبير ( نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1988) في هذا الجانب قد تختصر كل المعاني وهي :

( كلمة رجل جمعها رجال وكلمة إمرأة لا جمع لها , المرأة لها كبرياء حتى في اللغة العربية تأبى أن تجمعها بغيرها أو تقارن بھا .