كانت هزيمة الدول الرأسمالية الإمبريالية الأربعة عشرعلى يد البلاشفة في العام 1921 مفصلاً رئيسا في مسار التاريخ، مفصلاً لم يجتذب على أهميته إنتباه المحللين والمؤرخين . تبعاً لهزيمتها أمام قوى لا تملك من أدوات الحرب شيئاً بات مؤكداً للدول الرأسمالية الكبرى أن نهاية النظام الرأسمالي باتت وشيكة . ولما كانت الإمبريالية البريطانية هي التي تقود معسكر الإمبريالية فقد أولت وكالة مخابراتها (MI6) المعروفة بقدراتها الخارقة على استعمال كل الأساليب القذرة في تحقيق أغراضها، أولتها حماية أمن الإمبريالية في مواجهة الخطر الشيوعي وقد بات خطراً حقيقياً وعلى الباب . وذلك اقتضى فيما اقتضى التراجع الملموس في ممارسة السياسة الإمبريالية واستغلال شعوب المستعمرات عن طريق مبادلة فائض الإنتاج بالمواد الخام . سياسة الرأسمالية الإمبريالية تختلف نوعاً عن سياسة مقاومة الشيوعية و تتعاكس معها تماماً .

لقد عملت المخابرات البريطانية بنشاط كبير على إقامة الحكم الفاشي في ايطاليا 1922، ومنظمة الإخوان المسلمين الرجعية في مصر 1927، والنازية في ألمانيا 1933 كمصدات للثورة الشيوعية المتعالية في موسكو . صحيح أن الفاشية الإيطالية والاخوان المسلمين في مصر والنازية في ألمانيا قامت بالوظيفة المطلوبة منها كمصدات لموجات الثورة البلشفية العاتية لكنها باتجاه آخر عملت على تهديم الامبريالية .

مع تنامي النازية في ألمانيا والفاشية في ايطاليا شعرت بريطانيا أنها كمثل من يربي شبل النمر في بيته وعندما يكبر الشبل سيفترس صاحب البيت . إذاك اجتمع في ميونخ 30 سبتمبر ايلول 1938 رئبس وزراء بريطانيا تشمبرلن والرئيس الفرنسي دالادييه وأدولف هتلر وبنتو موسوليني في مؤتمر دخل التاريخ باسم مؤتمر الترضية (Appeasement) حيث كان واضحا لدى المراقبين بل ولدى شعوب أوروبا كافة أن نمر الفاشية والنازية الذي ربته المخابرات البريطانية صغيراً ليفترس الشيوعية بات أقرب لافتراس فرنسا وإنكلترا قبل افتراس الشيوعية فكان ترضيته في مؤتمر ميونخ بمنح هتلر القسم الأهم من تشبكوسلوفالكيا (السوديت) دون الرجوع إلى السوفييت شركاء فرنسا وبريطانيا في ضمان أمن تسيكوسلوفاكيا واعترافهما باحتلال هتلر للنمسا وضمها إلى ألمانيا كما اعترفوا باحتلال موسوليني للحبشة والصومال من توابع انكلترا . بالطبع كان ذلك دفعة على الحساب باتجاه إفتراس نمر النازية الفاشي للإتحاد السوفياتي وكان الهدف الأول والأخير للنشاط الإمبريالي منذ هزيمة الإمبريالية على يد البلاشفة في العام 1921 . توجب على ستالين إذاك أن يتفحص تلك المؤامرة الكبري على الاتحاد السوفياتي فارسل وزير الخارجية فياتشسلاف مولوتوف إلى كل من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة يطالب بتشكيل حلف من الدول الكبرى الأربع ضد ألمانيا النازية وكان رفض هذه الدول لمثل ذاك التحالف . بعد كل ذلك لم يبقَ هناك أمام ستالين أي خيار آخر لصيانة الحياة السلمية السوفياتية سوى تجرع الكأس المرة بعقد اتفاق عدماعتداء مع هتلر ؛ وهو ما كان . اعتقد ستالين أن هتلر كان سيحترم شروط الإتفاق لثلاث سنوات فقط على الأقل كما أفشى بذلك ؛ لكن وبعد أن انتهك الاتفاقية قبل مضي عامين فقط كان خيار الاستعداد للحرب على النازية هو أفضل من اتفاقية مولوتوف – روبنتروب وما كان ليؤدي إلى انهيار الاتحاد السوفياتي وقد بدأ في العام 1953 لينتهي في العام 1991 .

الأحزاب الشيوعية في محيط الثورة كان واجبها في الثلاثينيات الإنفصال عن التحالف مع البورجوازية الوطنية في مقاومة الإمبريالية علماً بأن الإمبريالية لم تعد تمارس سياساتها الاستغلالية منذ هزيمتها في العام 1921 وغدا محور نضال الأحزاب الشيوعية في الأطراف هو مقاومة الفاشية . 

الاتحاد السوفياتي وعمره الإشتراكي أقل من عقدين عند إعلان هتلر الحرب عليه برهن على أنه أقوى الدول في العالم ففي حين لم تستطع فرنسا مهد الحريات والديموقراطية أن تصمد بوجه هتلر شهراً واحداً قبل أن تستسلم بمهانة للعدو، وبريطانيا العظمى انهزمت شر هزيمة أمام فيالق هتلرية قليلة في دانكرك وهربت قليلة الحيلة لتحتمي وراء المانش، خاض الاتحاد السوفياتي أعظم معارك التاريخ ولم ترتجف له يد حين خطب ستالين في الساحة الحمراء محتفلا بذكرى ثورة أكتوبرالعظيمة في 7 نوفمبر 1941 حبن كانت موسكو مطوقة من ثلاث جهات بثلاثة ملايين جندي نازي مسلحين بأحدث الأسلحة، خطب يهيب بالسوفياتيين ألا يرتجف لهم قلب وألا يخافوا على مستقبل البلاد حيث أن الاتحاد السوفياتي ما زال قادراً على سحق قطعان النازية حتى الفناء ؛ وكان ذلك حتى احتلال برلين وسحق رأس هتلر .

في يونيو 1943 أعلن ستالين حل الكومنتيرن تهدئة لمخاوف الاستعماريين، بريطانيا والولايات المتحدة، على مستقبلهما الرأسمالي كما تم اعتباره على الصعيد العالمي . حقيقة الأمر هي أعمق من ذلك بكثير . لقد رأى ستالين في ذلك الصيف القائظ بحكم مركزه العالمي المستجد أن نهاية النظام الرأسمالي في العالم باتت على الأبواب بحكم القوى العسكرية المتعاظمةللإتحاد السوفياتي الأمر الذي تطلب من الأحزاب الشيوعية في الأطراف تبنى برامج اشتراكية في مجتمعاتها وأن تتوقع المساعدة من الاتحاد السوفياتي بدل أن كانت هي التي تساعد الاتحاد السوفياتي . معركة كورسك في الشهر التالي ليونيو حققت رؤية ستالين على الصعيد الدولي حيث كسر العمود الفقري لقوى الحرب النازية وبات مصير ألمانيا مقرراً لدى انتهاء كورسك .

فيما بعد الحرب بدأت الولايات المتحدة بقيادة ترومان والحزب الديموقراطي وبريطانيا بقيدة أتلي وحزب العمال بشدشدة براغي النظام الرأسمالي الذي تهالك في الحرب فكان عقد حلف شمال الأطلسي بحجة حماية الغرب من الخطر الشيوعي فكان رد ستالين الشهير " إننا لن نحاربكم لكننا سننتصر عليكم قريباً في المنافسة السلمية " . الخطة الخمسية الخامسة 1951 –1956 هي التي كانت ستحقق تحدي ستالين للغرب الرأسمالي ولو تم تنفيذها لكان الاتحاد السوفياتي في العام 1956 جنة الله على الأرض .

في العام 1953 جرى انقلاب بورجوازي بتعاون عناصر من المكتب السياسي للحزب وأولهم خروشتشوف مع قادة الجيش . بدأ الانقلاب بتسميم ستالين على يد لافرنتي بيريا عضو المكتب السياسي وزير الأمن وتلاه في صبيحة وفاة ستالين في 6 مارس اجتماع سبعة أعضاء من المكتب السياسي وقرارهم المخالف للقانون بطرد 12 عضواً جديداً في المكتب السياسي ؛ وبعد ستة شهور استدعى المكتب السياسي اللجنة المركزية لتقرر خلافاً للقانون إلغاء الخطة الخمسية وتحويل الأموال المخصصة لها لصناعة الأسلحة ؛ وفي العام 1956 قام خروتشوف خلافا لرأي قيادة الحزب بتشويه ايقونة العمل الاشتراكي يوسف ستالين ؛ وفي يونيو 1957 جرى انقلاب عسكري ضد الحزب بقيادة خروشتشوف وصديقه وزير الدفاع المارشال جوكوف وتم طرد 7 أعضاء بلاشفة من المكتب السياسي الذين سحبوا الثقة من خروشتشوف والإبقاء على اثنين فقط هما خروشتشوف وميكويان . وفي العام 1961 أعلن خروشتشوف بكل وقاحة الخائن أمام المؤتمر العام للحزب إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا ؛ إذاك بدأ الاتحاد السوفياتي بالتراجع على مختلف الأصعدة وخاصة في التنمية الاقتصادية وعندما أدرك خروشتشوف وبال خيانته وأنه لم يبقِ من مشروع لينين في الثورة الاشتراكية العالمية شيئاً يذكر خطط لأن يتراجع عن سياساته الخيانية فكان العسكر أن أرغموه في أكتوبر 1964 على الخيار بين الاستقالة من الأمانة العامة للحزب وبين القتل بالرصاص . وبالطبع أن من مارس الخيانة لأكثر من عشر سنوات سيجبن حتى ولو أدى ذلك إلى إلقائه في سلة المهملات .

 

الأحزاب الشيوعية الطرفية التي قامت أصلاً لتأمين النجاح لمشروع لينين في الثورة الاشتراكية العالمية كانت غائبة عن كل تلك الأحداث الحديّة التي تحدد الاشتراكي من غير الاشتراكي وهي بذلك الغياب تكون قد فقدت الشرعية ومع ذلك بقيت أنا عضواً ناشطاً في الحزب الشيوعي يكرس كل مقدراته لخدمة الحزب ويؤيد تبعاً لعمه الحزب إلغاء الخطة الخمسية الخامسة وقد مثل الضربة القاضية لمسقبل المشروع اللينيني .

قد يزعم البعض أن الأحزاب الشيوعية في الأطراف ليست ملومة على غيابها عن تلك الأحداث الحدية بسبب السرية المطبقة في أعمال المكتب السياسي غير أن هجوم خروشتشوف المحشو بالأكاذيب على ستالين في المؤتمر العشرين للحزب كان واضحاً أن الخطاب كان خطاباً شخصياً لا علاقة للحزب به ومع ذلك شاركت جميع الأحزاب الشيوعية تقريباً في الهجوم، ثم لا يمكن أن تكون الأحزاب الشيوعية لم تعرف أن انقلاباً عسكرياً قاده خروشتشوف والمارشال جوكوف ضد الحزب وطرد 7 أعضاء منالمكتب السياسي وهي تعلم دون شك أن عضو المكتب السياسي لا يجوز طرده قبل المؤتمر العام التالي للحزب حيث تكون عضويته قد انتهت آلياً .

الأحزاب الشيوعية الطرفية بغيابها عن مجمل الأحداث الحدية في الحياة السوفياتية لم تعد أحزاباً طرفية للحزب الشيوعي السوفياتي، حزب لينين وستالين بل أحزاباً طرفية لحزب خروشتشوف الخياني وبذلك فقدت شرعيتها مرة أخرى . أما وإن بقيت تتحجج باشتراكية بريجينيف وأندروبوف وغورباتشوف فقط سقطت هذه الإشتراكية الهجينة في العام 1991 وسقطت ورقة التوت التي سترت عورتها لأربعة عقود حيث انتهت شرعيتها للمرة الثالثة والأخيرة .

الأحزاب الشيوعية التي تمرغت بالخيانة مستترة بورقة التوت تمارس الخيانة اليوم بدون هذه الورقة وتنادي بالديموقراطية البورجوازية وبالعدالة الاجتماعية التي لا تعني سوى الكينزية المعروفة بالحفاظ على النظام الرأسمالي وبالتعددية التي لا تعني سوى التعايش الطبقي .

الخزي كل الخزي لهذه الأحزاب المعادية للبروليتاريا وللإنسانية .