كلمة رجل الدين الفاضل "السيد عبد الله الغريفي" التي القاها مساء الخميس، 19 يناير الجاري، بجامع الصادق (بمنطقة القفول، بدولة البحرين)، حول رفض الدولة الدينية أيا كان شعارها سواءً دولة الخلافة او دولة ولاية الفقيه وتفضيله دولة القانون، حيث قال: "ما دعونا في يوم من الأيام الى دولة ذات صبغة دينية مذهبية كدولة الفقيه او دولة الخلافة. ما ندعو اليه دولة مواطنة، دولة عدالة، دولة مساواة، دولة مؤسسات، دولة قوانين، وهذا لا يختلف عليه أحد. وإذاكان هناك بعض الاختلاف ففي بعض التفاصيل، وهذا الاختلاف يعالج بالحوار والتفاهم، واي لغة أخرى فهي تأزيم لأوضاع الوطن ومكلفة جدا".

في اعتقادي الشخصي، ان هذه الدعوة لاعتماد الدولة المدنية هي مبادرة إيجابية وخطوة شجاعة لحلحلة الوضع السياسي المتأزم منذ شهر فبراير عام 2011م.

الدولة المدنية هي دولة تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية. هناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية والتي إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة، أهمها أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين. ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر، فهناك دوما سلطة عليا هي سلطة الدولة والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك. فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم.

ومن أهم مبادئ الدولة المدنية أنها لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة. كما أنها لا تعادي الدين أو ترفضه فرغم أن الدين يظل في الدولة المدنية عاملا في بناء الأخلاق وخلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم. حيث أن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية، كما أن هذا الأمر قد يعتبر من أهم العوامل التي تحول الدين إلى موضوع خلافي وجدلي وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة. ومن مبادئ الدولة المدنية أنها تمنع من أن تؤخذ الدولة غصبا من خلال فرد أو نخبة أو عائلة أو أرستقراطية أو نزعة أيديولوجية. 

ومن اهم دعائم بناء الدولة المدنية خلق مجتمع مدني كفضاء عمل مستقل وغير مرتبط بالسلطة الحاكمة، حيث يتكون المجتمع المدني من الاحزاب السياسية المؤسسة على أسس وطنية، والاتحادات العمالية، والنقابات المهنية، والتيارات الثقافية والفكرية، والجمعيات النسائية، الى جانب صحافة مستقلة وحرة ونزيهة. يقول هيجل : "أن كل فرد في المجتمع المدني يرى نفسه غاية، ويرى في الآخر وسائل لتحصين غاياته، وهذا يخلق نوعا من الاعتماد المتبادل بين الأفراد والتنافس في سبيل تقديم الأفضل، من خلال الانتظام في هيئات مدنية هدفها الدفاع عن مصالحهم المشتركة، وهو ما يسميه هيجل المجتمع المدني".

الدولة الدينية شعار ترفعه الأحزاب السياسية الملتحفة عباءة الدين لدغدغة البسطاء من العوام في بلدانهم من اجل الوصول الى السلطة. السياسة، كما العلوم الإنسانية الأخرى (علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الاقتصاد) لا دين لها، بل هي علم انساني لتنظيم علاقة التعايش بين مكونات الشعب الواحد، والعلاقات بين الدول. 

القرآن الكريم يقول: "وأمرهم شورى بينهم" أي ان أمور الدنيا والحوادث اليومية للناس، كالسياسة وإدارة البلاد من مسؤولية الناس، وبعبارة أخرى فإن أمور الناس لا بد ان تدار عن طريق الشورى وليس عن طريق الوحي والرسالة الإلهية، ولا دليل على ان السياسة من لوازم النبوة او الإمامة، ولا حكرا على الفقهاء كما يقول البعض". (مقتبس من كتاب: نظريات الحكم في الفقه الشيعي، لمؤلفه رجل الدين الإيراني الشيخ محسن كديفر". 

هذه المبادرة الإيجابية والخطوة الشجاعة سوف تقابل في بدايتها بالرفض من بعض المتزمتين دينيا، ولكني شخصيا اعتقد انه بمرور الوقت سوف يزداد الداعمين لها. وأتمنى من "السيد عبد الله الغريفي" – حفظه الله، ان يتبع هذه الخطوة بخطوة أخرى مهمة لنساء البحرين، وهي: ان يطالب بتفعيل وتطبيق الشق الجعفري من "قانون الأحوال الشخصية" المعلق منذ سنوات، لوضع حد لمعاناة الكثيرات من النساء في البحرين، ورفع الظلم والحيف عنهن، ليعيشوا حياتهم في امان واستقرار. 

آخر الكلام: الدولة الدينية لم يثبت نجاحها على كل المستويات، وخصوصا فيما يتعلق بالمعتقدات الدينية والأخلاق ونمط الحياة. هذه من الخصوصيات الفردية التي لا يمكن فرضها بالقوة، بل تمارس حسب القناعة الشخصية. قال تعالى: إنما انت مبشر لست عليهم بمسيطر.