بعد خمس وخمسين عاما ، من شهر يناير ، من حكومة قوية صاحبة قرار وولاية عام ١٩٦٢ نجد ان منصب رئيس مجلس الوزراء الحالي في الاردن عام ٢٠١٧ تبخرت صلاحياته و تلاشت و لا يتحكم في اي شيء ، و لا تخضع سياسة البلد وامنة واقتصاده و ادارتها الى مشاروارت مجلسه و امرهم ونهيهم قبولا و اعتراضا ، حتي تسمية الوزراء و اختيار الاكفء او الاسوء و تنحية الغير جيد او الجيد ومحاسبة الفاسد ووضعه امام القضاء وايضا اصلاح هفوات وزرآئه ليست من صلاحياته ، او امكاناته المتاحة .

ان رئيس مجلس الوزراء الاردني بتنازله عن الولاية العامة و تنازله عن ان يكون الرئيس الفعلي و الرسمي لمجلس الوزراء تحول الي “شبه رئيس في شبه حكومة “ ، ( بكيفه لتولي المنصب او مرغما عن انفه للبقاء في المنصب ) . هذا التحول جريمة يرتكبها و ارتكبها رئيس مجلس الوزراء و كل من وافقه عليها بحق الشعب و الدستور ولا بد ان يحاسب عليها الجميع ، بل و الافضل للدولة الاردنية في حالة استمرارية تنازله عن الولاية العامة ، دون اي اعتراض من مجلس الامة ، و عدم قيامه بالواجبات المنوطة به كاملا ان يرحل عن المسرح السياسي، و أن ينسحب بهدؤ ليقوم الاكفأ و الاكرم عطاءا للوطن ليحل مكانه و يعيد للدولة قيمتها و مكانتها و دستورها. 

عند الحديث عن “اصلاحات سياسية “ لابد من اعادة الهيبة و الصلاحية الي منصب رئيس مجلس الوزراء ، واكرر “مجلس الوزراء لا رئيس الوزراء” ، و اخضاع منظومة ادارة الدولة بأكملها الى المراقبة والتقييم المستمر لتقديم افضل خدمة للشعب الاردني المظلوم الذي عانى الكثير ، حتى حسب ان الهواء الذي يتنفسه المواطن ، بعد كل هذا الظلم و التراخي و التنازلات من بعض الحكومات المتعاقبة و بعض من مجالس برلمانية علي “مسطرة الحكومة و قسطرتها “ ، يدفع المواطن الاردني الصبور ثمنه بمديونية وصلت سبعة و ثلاثين مليارا و العداد يحسب و يضيف بالدقيقة.

عند الحديث عن دولة ديمقراطية لابد من بوادر و ظواهر علي الاقل منها مثلا ان يعلن رئيس مجلس الوزراء عن أسماء الوزارات و الهيئات و المؤسسات والمنظمات الحكومية التي تدخل ضمن مجال اختصاص ومهام رئيس مجلس الوزراء الاردني و تلك خارج السيطرة. و أن يعلن صراحة لمن هو يتبع ، و من يقرر له سياساته غير الملك حاكم البلاد الفعلي ؟

و اقصد ان هناك من يعتقد ، بل من يؤكد ان وزارة الخارجية ، وزارة الداخلية ، وزارة الدفاع ، وزارات اسمية وهمية لا صلاحية لرئيس الحكومة عليها و لا دخل له فيها و لا حتي لوزرائها صلاحية مطلقة حسب الدستور ، و يسمع رئيس مجلس الوزراء عن تحركاتها مثل اي مواطن يشاهد تصريحات الوزارات عبر شاشات التلفاز ، و اغلبها غير صحيح ، منها “ العلاقات بين البلدين عميقة ، تناشقنا فيما يهم الوطن ، لا صحة لما قيل ، التعاون بين بلدينا علي اعلي المستويات ، التنسيق قآئم “و غيرها من مصطلحات جوفاء لا تعبر عن الواقع و لا عن دور مجلس الوزراء و لا تلبي طموحات الشعب.

فقط مطلوب من رئيس مجلس الوزراء ، الغائب عن اجتماعات مختلفه منها ما هو في الديوان الملكي مع روؤساء وزراء سابقين و اخري في رحلات و زيارات خارجية مثل روسيا ، توقيع القرارات دون الادارة السياسية الحقيقية و المركزية ، و علي بقية الوزراء اتباع تعليمات من ابواب عليا اخري. هنا يجب اعادة النظر في المهام و الواجبات و المسؤوليات المناطة برئيس مجلس الوزراء.

في حرب الخليج مثلا ، عندما اتصل السفير الامريكي برئيس الوزراء الذي يتابع الحرب من شاشاة فضائية الجزيرة و هو يحتسي القهوة برفقة وزير التربية و التعليم العالي ، جاء الامر الامريكي المباشر بالهاتف :”عليكم اخلاء قاعدة الازرق للطائرات الامريكية فورا “ فكان الرد الذي يوارد عقل الرئيس يشبه :” و ما دخلي انا هذا قرار سيادي ليس في يدي “، و كانت تعليمات السفير الامريكي :” الطائرات الحربية الامريكية اقلعت من قاعدة بريطانية و ستصل الي الاردن خلال اربع ساعات عليك استعمال صلاحياتك ، احدثك حسب البروتوكول باعتبارك وزير الدفاع ، انقل المعلومات لمن تشاء المهم تنفيذ الامر “. هنا تذكر الرئيس انه وزير دفاع للاول مرة حيث ان الوزارة و المنصب شكلي.، و لا يحق له ان يقبل او يرفض او يقرر ، فقد كانت امريكا مثل “ الثور الهائج”.

تاريخيا ، كان رئيس الوزراء الاردني مغايرا و مختلفا ، و علي سبيل المثال المرحوم وصفي التل ، في حكومته الأولى في 28 يناير ,1962 يرآس مجلس وزراء مصغر دائم و يتخذ قرارات تتعلق بحكومته لا يمليها عليه احد ، و هناك قرارات اختلف بها مع الراحل الملك الحسين في موقف رجولي أسس لدور و منصب رئيس الوزراء “الحريص غير الخانع “ ، و هذا المجلس المصغر كان يضم وزير الخارجية ، وزير الداخلية ، وزير الدفاع ، ووزير الاقتصاد و المالية .

كان الرئيس الرسمي لمجلس الوزراء ، المرحوم وصفي التل يترك بقية الوزارات و ادارتها و ادارة مجلسها الي نواب رئيس الحكومة و يتراس مجلس مصغر . ( من مذكرات الوزير الراحل جمال الشاعر الذي كتب “سياسي يتذكَّر” و”50 عاماً في حزب البعث”)، انتهي الاقتباس . تلك الوزارات خرجت من يد رئيس مجلس الوزراء الحالي و لا داعي للتدليل او الشهادة ، فالواقع يثبت ذلك.

وحيث ان وزارات الاقتصاد و المالية الاردنية تتبع تعليمات وزارة النقد الدولي ، فماذا تبقي لرئيس الحكومة الاردنية سوي انه موظف كبير بدرجة رئيس وزراء و راتب في حدود اربعة الاف و خمسمآئة دينار اردني غير النعم الاخري و التي تآتي بالتبعية؟

للاسف فأن البعض يري الاصلاح السياسي هو في الخصخصة و بيع ممتلكات الدولة الحل الانجع و الاسرع المؤقت للتخلص من جزء من المدينوية ، و هناك من يري أن رئيس الحكومة هو صورة مسرحية امام مجلس النواب يكتب له و يعهد اليه و يرسم له من قبل” بهلوان اكروباتيك ” ، ويفرض عليه كل شيء بينما ينعم هو بالراتب و لقب “باشا” و رئيس الوزراء الاكرم الي ان تهبط طائرته في مجلس الاعيان عضوا.

بهذا الواقع الاليم لرئيس وزراء منزوع الدسم تنازل عن الولاية العامة ، لقد اختار رئيس الحكومة و قبل ان يكون : “رئيس وزراء علي مجلس من حاله و نفسه و ثلاثة من اصدقائه “. ترنيب بستوني اسود يحتاج الي يد رباعية.

رحمة الله علي الرئيس الرسمي وصفي التل صاحب القرار و الذي كان يحمل الاوراق كلها في يده فتألق رئيسا ، اليك هو مثالا.

[email protected]