لا خلاف علي ان حادث القتل الجماعي الذي قام به المواطن الأميركي المتقاعد ستيفن بادوك ( 64 عاما ) مساء الأحد الماضي (الأول من اكتوبر) وأدي علي مقتل قرابة 60 شخص واصابة عدة مئات بينما كانوا يشاركون في حفل موسيقي في قلب مدينة لاس فيجاس، نتج عنه موجات هلع عظيمة وتخبط لم يستقر بعد داخل الولايات المتحدة وخارجها.. لأن النظرة المجتمعية التي تتبعته وحاولت قدر الإستطاعة سير أغواره داخلياً وخارجياً نبعت من إدراك انساني بمدي خطورته ومن مدي ما سيصيب المجتمع الأميركي من تدهور وإنفلات وتمزق، فيما لم تٌطلعنا الجهات المختصه علي ما توافر لها من معلومات وما توصلت إليه من تقديرات علي الأقل جتي اللحظة..

الحادث مروع بكل المقاييس.. وعلينا أن نُقدر الموقف الصعب الذي وجدت فيه الأجهزة الأمريكية المختصة نفسها حيث وجدت نفسها فيه.. فهي غير قادرة علي توصيف ما جري علي انه ارهاب داخلي.. فرغم توافق الرأي العام أن " المجتمع الأميركي لم يتعرض لمثله في السنوات الأخيرة " إلا ان الرئيس الأميركي ومن وراءه كثيرون يرفضون حتى الآن استخدام هذا الوصف، بل أصر دونالد ترامب علي مواصلة وصف مركتبه بأنه " شخص مريض جداً جداً جداً "..

الرأي عند كثيرمن المراقبين أن حادث لاس فيجاس يزيد أضعاف كثيرة في مستوي ارهابه عن الحادث الذي تعرضت له احدي الحفلات الموسيقية بمدينة مانشيستر البريطانية منذ عدة اسابيع، الفرق الوحيد أن مرتكب الحادث الثاني وُصف بانه " يمثل الإرهاب الراديكالي الإسلامي "! أما مرتكب الحادث الأول فلم يتم الإتفاق علي وصف لعمله الإجرامي! ولم ينته التحقيق من تحديد دوافعه بعد..

ماذا ينتظرون؟

الحقائق تقول أن الرجل.. غادر منزله الذي يبعد بضعة كيلومترات عن مدينة لاس فيجاس.. واستأجر جناح بالدور الثاني والثلاثون بواحد من افخم فنادق المدينة.. وصعد إليه بترسانته القتالية علي مشهد ومرأي من موظفي الفندق ومرتاديه..

وتقول تحقيقات الشرطة انه استخدم عدد من بنادقة الألية – عثر علي 23 منها في جناحه المستأجر إلي جانب ما لا يقل عن 1600 طلق ناري مختلفة الاحجام – في ازهاق أوراح ابرياء وإصابة ما لا يقل عن 500 شخص..

ويقول شهود العيان.. ان ما شاهدوه باعينهم هو جريمة قتل جماعي.. ويطالبون بسرعة الكشف عن دوافعها للحد من تكرارها بعد ازداد عددها وتضاعف عدد ضحاياها..

وحتى اللحظة لم تستجب أي من الأجهزة الأمريكية المختصة لا علي مستوي الولاية ولا علي المتسوي الفيدرالي لهذا المطلب الذي اصبج يشكل هاجزا جماعيا للغالبية من سكان الولايات المتحدة الأمريكية..

الإدارة الأمريكية تعمل علي ان لا يتضمن خطابها سيرة " الإرهاب الداخلي الذي يتعرض له مجتمعها من حين لآخر " وهي التى لا تتواني عن إدانة أي صورة من صور الارهاب الذي يقع خارج أراضيها، حتي قبل ان تنتهي التحقيقات المحلية من كشف ملابساته..

لنترك الشأن الداخلي الأميركي حتي يصدر بيان رسمي بما توصلت إليه التحقيقات.. ولننتظر الخلاصة التى سيتوصل إليها المختصون فيما يتعلق بتوصيف ما جري خاصة وانهم سارعوا إلي نفي اي صلة لمرتكبه بتنظيم ما يسمي بالدولة الاسلامية التى سارع اعلامها المشبوه بالقول انه من فعل واحد من المتعاطفين معها.. لأن الجانب المظلم لهذا الملف واعني به قونين حمل السلاح في أميركا هو الذي ستتسلط عليه الأضواء من الآن فصاعداً..

فهل يؤدي هذا الإهتمام الإعلامي المكثف والجدل السياسي المتصاعد بين الجهوريين والديموقراطييم، إلي النتيجة المرجوه؟؟..

علي الجانب الآخر.. طالبت صحيفة التايمز اللندنية في مقال افتتاحي بعدد الثلاثاء الثالث من اكتوبر، الكونجرس بأن " يرتقي بنفسه بعيداُ عن مستوي الشبهات وان ينظر إلي ملف حيازة الأسلحة من زاوية حاجة المجتمع إلي الأمن والإستقرار " ويُذكر المقال القرآء برفض حاكم ولاية نيفاد عام 2013 لمشروع قانون تبناه مجلسها التشريعي لفرض مراقبة علي بيع الأسلحة ويفرض علي حائزيها إشتراطات عدة، وإلا سُحبت منهم.. ووصفة للحادث بأنه " عنف مأسوي إرتكبه شرير حاقد ضد أناس أبرياء "..

المطالبة الجماعية والمجتمعية داخل الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة فرض قيود علي حمل السلاح ليست وليدة اللحظات الاجرامية والارهابية التى يتعرض لها بعض فئات المجتمع من حين لآخر بشكل مخطط او بشكل عشوائي.. هذه المطالب متجددة يستجيب لها الرؤساء الأمريكيون بشكل جدي، ولكنهم دائما ما يفشلون في استصدار قانون من الكونجرس يحقق هذا المطلب.. لماذا؟؟..

لسببين.. الأول قوة تأثير جماعة المصالح النافذة التى تحمي شركات صناعة الاسلحة والمتاجرين فيها والتي هي علي إستعداد دائماً لإنفاق اي كمية من الأموال لرفض ما تراه حقا دستوريا للمواطن الأميركي.. والثاني خضوع الكونجرس لرغباتهم القائمة علي ضرورة حماية الدستور ومحاربة كل من تُسول له نفسه المساس بها بلا هوادة حتي لو كان رئيس الجمهورية..

ورغم هذه الحجية المرتكزة علي التعديل الثاني للدستور الصادر عام 1791 والذي ينص علي حق المواطنون " جميعاً " في إقتناء وحمل السلاح دون أن يُسأل أحدهم.. لماذا؟؟ فالكثير من القانونيون يناصرون عدم المساس بـ " دستور الأباء المؤسسون " بشرط وضع قواعد منظمة لممارسة هذا الحق جماهيرياً.. إلي جانب تشريع إجراءات لضبط بيعه وإمتلاكه للحد من انتشاره المتنامي وسوء إستخدامه المتكرر؟؟..

الغالبية الكبري من المجتمع المدني الأميركي تقف حائرة أمام الإجراءات القانونية التى أستصدرها الكونجرس منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لتنظيم الحقوق الأخري

للمواطن مثل حق التعبير وحق التظاهر وحق التدين وحق الإضراب عن العمل.. الخ.. وتقاعسه عن ان يشرع لما فيه حماية الأبرياء من العنف المجتمعي الذي يتعرضون له بين الحين والآخر..

وتقف حائرة امام تنامي ظاهرة الإعتداء علي المدنيين دون أن تتخذ المؤسسات المختصة موقفاً قانونياً للحد منها ودراسة دوافعها لكي لا تتوحش أكثر وأكثر..

هذا القطاع من مواطني الولايات المتحدة وإلي جانبهم العديد من القانونيين يأملون كما استمعنا إلي تعليقاتهم أن تتحرك القوي المجتمعية المدنية في اتجاه القيام بحملة حقوقية نشطة تدفع نوابهم في المجلسين التشريعيين علي تبني وجهة نظرهم..

هل نأمل ان تُشكل الغالبية الأكبر رأي عام شعبي ضاغط يُجبر مجلسي النواب والشيوخ علي تبني تعديلات علي قانون الحق في شراء وحيازة الأسلحة تحد من آثاره الجانبية القتالة والمتهكة لحقوق الحياة الأمنة التي يقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟

من جانبي لا أثق كثيراً في هذه النتيجة، الرأي عندي أن هذه المحاولة محكوم عليها بالفشل كما حكم علي سوابقها العديدة، لسبب جوهري يتمثل في قدرة اللوبي التى يمثل مصالح منتجي وبائعي الأسلحة بمختلف اشكالها وأنواعها علي قتل أي مشروع قانون يشتم منه أنه يتعارض مع ما يصفونه بالحق الدستوري في لإقتناء السلاح، بينما يراه الأخرون في داخل الولايات المتحدة وخارجها حق لممارسة القتل وازهاق الأرواح وفق مخطط مسبق او عشوئي..

نتساءل.. لو تكرر هذا الفشل، وهو حتما سيتكرر، بأي وجه يمكن أن يهاجم الرئيس الامريكي الإرهاب الذي يتعرض له الأخرون بينما يتهاون في الضغط من أجل حماية ابناء وطنه ضد الارهاب الذي يتعرضون إليه بشكل متكرر؟

[email protected]