الاحتلال هذه الكلمة القبيحة التي تشعرنا بالإذلال والمهانة منذ انبدأت جحافل الدول الكبرى تهيمن عسكريا وسياسيا واقتصاديا على البلدان الاكثر ضعفا منها تسليحا وقوةً ، فالنفوذ وتوسيع الهيمنة بدأ مع تكالب الحروب وازدياد سعير المطامع وتقسيم البلدان وترسيمالحدود على هوى القوى الكبرى الطامعة ، كلٌّ يأخذ حصته على طريقة هذا لك ، وهذه لي مثلما شاءت المعاهدة العمّة / سايكس بيكووالعمّ سام والشيخ الجليل البريطاني / ابو ناجي وهي كنية المستعمر البريطاني عندنا في العراق ، والمسيو فرانس .

منذ ان شببنا وبدأ الوعي يتغلغل في رؤوسنا عرفنا ان الاحتلالالبغيض يكون أنواعا شتى ويتسم بلوثات متعددة ويهدف أهدافا مرسومة له سلفا فهذا الاحتلال استيطاني يرمي الى سرقة الارضوسلبها عنوةً وطرد السكان الاصليين مثلما حدث ويحدث الان في فلسطين المحتلة ولمَّ شتات المهاجرين وبناء المستوطنات لهم في اسرائيل الكبرى تحقيقا لأحلام تأريخية مشكوك في صحتها وصدقها لأتباع الديانة الموسوية وعرفنا ايضا مآرب الاحتلال الاقتصادي الذي يرمي الى نهب ثروات الشعوب المقهورة واستغلالها لصالح المستعمِر وينال المستعمَر الاّ الفتات والشحيح ليبقى حيّا سقيما عاجزاً غير معافى واحتلال منابع الخير كالنفط ومناجم الذهب والماس وغيرها من المعادن الثمينة مثلما فعلت بريطانيا وفرنسا في بلدان الشرق الأوسطوإفريقيا عموما ؛ فالاحتلال بشعٌ في كلّ مسمياته وأشكاله ومراميه بما في ذلك الاحتلال الثقافي وما سمي سابقا الاستعمار الثقافي الذي ابتليت به بلدان شمال افريقيا ووسطها من قبل الفرنسيين او ما سمي بالفرانكوفونية مثلما سميت الدول التي رضخت لبريطانيا والتي اطلق عليها بالأنجلوسكسونية .

لكنّ اميركا طلعت علينا ببدعة جديدة ونمط لانظير له من الاحتلال وسابقة خطيرة الا وهو الاحتلال الديبلوماسي وعدّه البعض من السياسيين آخر صرعات الاستعمار الجديد ، فبعد ان أجْلَت قواتها العسكرية وحشود المارينز اواخر سنة /2011 تركت في بلادنا مايزيدعلى أربعة عشر الفا من عناصرها الخليط من الديبلوماسيين الماكرين ذوي المخططات الجهنمية والمدربين العسكريين وحشد هائل من عناصر الحمايات وشركات الامن السيئة الصيت على طريقة البلاكووتر ومثيلاتها وهم ينتشرون في مقر السفارة الاميركية في بغداد والقنصليات الاميركية الموزعة في الاراضي العراقية وفي المحافظات الكبيرة .

هذه السفارة الضخمة المهولة اختارت ان تكون مقابل البرلمان العراقي تماماً بعد ان أُنجز بناؤها واكتملت عُدّتها وعددها من كوادر السياسيين آلافاً مؤلفة بمختلف صنوفهم واختصاصاتهم وتعدّ أكبر سفارة أميركية في العالم كله وكأن العراق أضحى اتحادا سوفيتيا اخر ؛ ولأكون دقيقا اكثر فهي تزيد بمساحتها وعددها وعدتها عشرة مرات من اية سفارة اميركية بكل دول العالم الاخرى وتفوق بمساحتها حوالي ست مرات مقر هيأة الامم المتحدة في نيويورك وأكبر من مساحة دولة الفاتيكان قاطبةً تلمّ جيشا عرمرما من الديبلوماسيين يزيد على 14 ألف فردٍ انتقوا بعناية فائقة ليعملوا طوال 24 ساعة على شكل وجبات أمد كل وجبة 8 ساعات ويصلوا الليل بالنهار دون غفلة او هجعة .

استحلفكم بالله سادتي القراء واتساءل معجبا ؛ ما هي الاهميةالقصوى لبلاد مثل جمهورية العراق الواهنة المهزوزة ضعفا وهزالاً اهترأت تماما من الحروب والنزاعات ؟؟

هل زناخة النفط وشميمه الكريه يُبقي ذلك السحر الكريه ويبعث المطامع ليستنشقه الأنف الرأسمالي وتنتشي أنفاسه ويشرح صدره نشوةً ونسيماً غير عليل !!

حقا اني أعلن عجبي واندهاشي مما يجري في هذه الصروح والقاعات الكبيرة فيها ، واضرب اخماسا في أسداس وتنازعني أفكار قد تكون متطرفة او عابرة لحدود المعقول بما فيها تدبيرات تعدّ من مشاريع نظريات المؤامرة مع اني لست ممن تقنعه هذه النظرية ؛ لكن مايجري في السر والخفاء او تدابير الليل البهيم مايجعلني أضع الفعلامة استفهام ومثلها الف علامة تعجب .

وأجول بفكري هنا وهناك وأتخيل اكثر رعبا من داعش قادم الينا والى جيلنا المقبل قد يتم صنعها لاحقا لتستنزف ماتبقى من حرثنا ونسلنا من اجل ان تستمر ماكنات مصانع الاسلحة الاميركية في الدوران والانتاج طالما ان السلاح الكاسد اوشك ان ينفد بعد ان تم تصريفه في مناطق النزاعات ومنها وطني الذي لايريد ان يستقر سلمياً ، مثلما اوشك ضحايانا ان يقتربوا من المليون ضحية منذ الغزو الاميركيلبلادي في العام / 2003

صحيح اننا بتنا لانرى الارتال العسكرية في الشارع العراقي وما كانت تسببه لنا من غيظ وازعاج لايطاق لكننا الان ننظر الى سمائنا فنرى هذه المناطيد المعلّقة في الجو وهي تراقب وتترصد مجريات حياتنا على الارض ناهيك عن هدير طائراتهم التي تصمّ آذاننا بين حين وآخر بسبب افتقاد بلادنا الى غطاء جوي متمكن من رصد ما قد يجري في الخفاء في الارض والسماء .

الاحتلال الديبلوماسي وحبائله الاميركية المنسوجة باتقان شديد القوة ليس بلسما شافيا لجسد العراق المنهك ، حاله حال الاحتلال الايرانيبخفاياه وظواهره ؛ فكل ما نخشاه ان يدسّ السم في عسل الديبلوماسية التي ربما تعمل على فرض سياسات ورؤى قد لاتتوافقمع رؤانا بحجة الاستئناس برأي " اصدقائنا " السياسيين الاميركانالمقيمين كديبلوماسيين في ارضنا وبذريعة أخذ المشورة من الأقربينلنا ومبررات تلاقح العقول للوصول الى رأي اكثر صوابا وسياسة سديدة حكيمة ، وبصريح العبارة نريد من الاميركان ان يكونوا اصدقاءصدوقين (ولو انني أشك في يوم ما ان يكونوا هكذا) ولانريد ان نكون اتباع أذِلاّء، ونريد ايضا ان تكون لنا بصمة واضحة لنرسم سياستنا بأنفسنا وان لاتسلب إرادتنا ونكون إمّعة وخاصة في هذا الزمن الذي طغت فيه ملامح العولمة حتى نامت في غرف النوم الخاصة بنا .ولست في حاجة الى التذكير بفيلم السفارة في العمارة الذي اجاد تمثيله عادل امام اذ لم تكن السفارة سوى شقة صغيرة جاورت بيت الممثل وقد واجهت هذا المدّ الكبير من الاحتجاجات ؛ فكيف بنا ونحن نستضيف سفارة بهذا الحجم الرهيب كادرا ومساحة وخططاً وعساكر متنوعة لاندري فحواها ولا نعرف أولها من آخرها وهنا تكمن حيرتنا الكبرى نحن المبتلون بالتدخلات الآتية الينا من كل حدب وصوب .

[email protected]