المساءلة والمصارحة امور لا بد منها عندما تتعرض المجتمعات والشعوب الى النكبات والكوارث بسبب القرارات السياسية الخاطئة بقصد او بدون قصد وذلك بهدف تسليط الضوء على الحقائق للوصول الى المصالحة وتنقية الاجواء وازالة الاحقاد وروح الانتقام واعادة اللحمة الى الشعب لضمان عدم تكرار نكبات مماثلة واغلاق الصفحات السوداء المظلمة في وجدان المجتمع.
الشعب الكردي في اقليم كردستان يحتاج الى المساءلة في ثلاثة كوارث حلت به في السنوات العشرين الماضية وهي
1ــ حرب الاشقاء او الاخوة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة آل البرزاني اختصارا البارتي والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة آل الطالباني اختصارا اليكيتي.
2 كارثة 31 آب 1995 حيث استعان البارتي بجيش صدام حسين لطرد اليكيتي من هولير اربيل.
3 فاجعة الاستفتاء في 25 ايلول المنصرم.
الكوارث الثلاثة كانت نتيجة الصراع بين البارتي واليكيتي والهدف كان السلطة والمال وليس تحرير شعب او وطن ولم تكن حربا ضد اعداء بدليل ان الحزبين كانا يعودان للاتفاق ويصبحان يدا واحدة بعد كل خلاف وفي حكومات ائتلافية يتقا سمون فيها السلطة والمال وعلى مدار عقدين او ربع قرن.
لن ادخل في تفاصيل تلك النكبات اذ ان غوغل تعطي معلومات لا بأس بها لاسيما ويكيبيديا ولكن اريد الاشارة الى ان عدد الضحايا في الاقتتال الحزبوي في سفك دماء الاشقاء وصل الى 50 الف ضحية واكثر خلال 3 سنوات 1994 الى 1996 وان الجثث كانت تشحن من طرف الى آخر بالشاحنات اي باللوريات مكدسة فوق بعضها مشوهة ومقطعة عمدا بالاضافة الى قصص مخزية عن شجاعة ا لمقاتلين في تصفية اخوتهم.
حتى الآن لا يتجرأ احد من قيادات الحزبين او المسؤولين في اجهزة الحكومة و الاشخاص العاديين كشف الحقائق والصور الشنيعة والمريعة لتلك الحرب الاخوية خوفا من انتقام المتنفذين في الحزبين وحكوماتهما الائتلافية العديدة. الكثيرون لم يتمكنوا حتى من مشاهدة جثامين ابنائهم واقربائهم.
هذه الحرب لا زالت طلسما في تفاصيلها وقيادات الحزبين يخشون من انكشاف الحقيقة القاتلة. ماذا كانت الاسباب التي اشعلت الحرب؟ كيف كانت تصدر قرارات التصفية؟ من كانوا اصحاب الاوامر المباشرة ومن كان يضع مخططات الفتك والتدمير والسلب والنهب والاستيلاء على املاك الآخر؟
هل يمكن لاقارب واسر تلك الضحايا ان تنسى مقتل وتصفية فلذات اكبادها من الشبان وهم في ريعان الشباب؟ الحمقى وعبيد المال والجاه يظنون ذلك ولكن عودة الاحقاد والاتهامات الى الميدان عند ظهور اي خلاف بين الحزبين تدل على ان نار الاحقاد والانتقام لا تزال مشتعلة في اعماقهم وآخرها كانت تهم الخيانة التي حصلت بين الحزبين في كارثة استفتاء ايلول.
السبب في كل ذلك هو عدم وجود اية محاولة للمساءلة وكشف الحقائق كخظوة اولى نحو المصارحة والتصالح.....
الجروح النازفة لتلك الحرب لم و لن تندمل الا بعد المسائلة والتحقيق الشامل لحيثيات وتفاصيل ما حدث ووضع الحقيقة اما م اقارب الضحايا المغلوبين على امرهم حيث يمكن الوصول الى المصارحة واطفاء النار المشتعلة في قلوب ذوي الضحايا واسرهم وابنائهم.
كذلك سيتخلص كثيرون من عقدة الذنب بسبب جرائمهم التي ارتبكوها في تصفية اشقائهم لاسيما من المدنيين والابرياء من الاطفال والنساء.
هنا اذكر بدراسة طبية والتي كررتها مرات عديدة في مقالات سابقة وهي ان الام التي تفقد ولدها تعيش مع الحزن والالم والحرقة لمدة 25 سنة ولا تستطيع النسيان حتى وهي على فراش الموت وهي تغمغم اسم فقيدها حتى آخر نفس لها.
اذن الكارثة رهيبة في الاقليم مع تلك الاعداد الهائلة من اسر وعائلات الضحايا المجبرين على السكوت مع اثارها المدمرة على نفسيات وشعور الامهات والآباء والشقيقات والاشقاء. لذلك تشتعل نار الحرقة والانتقام عند كل خلاف او صراع كما حدث في هزيمة ايلول وهذا كان السبب وراء كتابتي لهذا الحديث.
قد ينزعج البعض من كلمة الهزيمة ولكن يجب اخذ الدرس من جيراننا من الحكام والمسؤولين العرب في حرب حزيران عام 1967 حيث رفضوا حقيقة الهزيمة ولكن في النهاية لم يستطيعوا الا الاعتراف بها وتسمية نتائج الحرب بالاسم الحقيقي اي الهزيمة بالرغم من محاولات اللعب بألفاظ مثل النكسة وخسارة معركة وليس خسارة حرب بل ادعى البعض الانتصار الى ان وصلت الامور الى الشماتة وبالتالي الشعور بالذل والعار حيث جاءت اوصاف تهكمية مثل النكسة و النكشة والفكشة والهروب كالغزال.......الخ
يبدو اننا نعيد نفس الدراما التي عانى منها الجيران العرب حيث يصف البعض منا هزيمة ايلول او الاستفتاء بالانتصار منذ الآن. ليس عيبا الاعتراف بالحقيقة ولكن العار هو التحايل على الشعب المسكين حيث الموت والجوع والفقر والموت واليتم والدمار من نصيبه دائما والسلطة والمال للقيادات وهو ما حصل بالضبط.
حسب هؤلاء فان الانتصار هو اجراء عملية الاستفتاء اما النتائج الكارثية فهو امر ثانوي.
العيب ليس في الهزيمة ولكن العيب هو عدم الاعتراف بها. الاعتراف هو السبيل الوحيد للانطلاق من جديد للكفاح وفتح آفاق جديدة من خلال الاستفادة من دروس وعبر الهزيمة.

حرب الاخوة كانت لاجل المال والسلطة ولم تكن حربا ضد غاصبي كردستان او تحرير اراض كردستانية او حق تقرير المصير.
انتهت حرب الاخوة عام 1996 ثم وقع الرئيسان برزاني وطالباني في سبتمبر من عام 1998 اتفاقية واشنطن بوساطة أمريكية على معاهدة سلام رسمية. اتفق الطرفان في هذه الاتفاقية على تقاسم العوائد والسلطة. وتعهدت الولايات المتحدة بحماية كردستان وعدم السماح للقوات العراقية بالدخول الى اراضي الاقليم حتى لو ادى الامر الى التدخل العسكري الامريكي المباشر.
يعني ان الدماء التي سالت وما حصل من قتل ودمار وعشرات الآلاف من يتامى و ثكالى ومعاقين جسديا ونفسيا ذهبت هدرا.
تقديرات الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد الحرب القذرة تشير الى طرد 58 ألفًا من أنصاره من المناطق الخاضعة لحكم الاتحاد الوطني الكردستاني في الفترة من أكتوبر 1996 إلى أكتوبر 1997. ويقول الاتحاد الوطني الكردستاني أن 49 ألفًا من أنصاره قد تم طردهم من المناطق الخاضعة لحكم الحزب الديمقراطي الكردستاني في الفترة من أغسطس 1996 إلى ديسمبر 1997.
هذه المعلومات موجودة في ويكيبيديا ولكن لا توجد اية معلومات حول الهمجية والوحشية التي رافقت تلك الحرب التي تسمى بحرب الاخوة. الشرارة الاولى لتلك الحرب كان الخلاف على تقاسم واردات معبر ابراهيم الخليل اي على الدولارات.

كاتب كردي
[email protected]