رغم المأساة التي يعيشها الشعب اليمني الشقيق بسبب جرائم الحوثي وجماعته، ورغم أن جريمة قتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح قد تسببت في خسارة كبيرة لحزبه وقواته والموالين له، فإننا يجب أن نعترف بأن الوضع الاستراتيجي الراهن لا يخلو من فرص ممكنة للمضي نحو المسار الذي دفع صالح حياته ثمناً له.

تأخر صالح كثيراً في الاعتراف بالخطأ وتمادى في تأبط ذراع الحوثي وعصابته، ولكنه فتح الباب أمام ضوء في نهاية النفق، وتحمل ثمن الاعتراف بهذا الخطأ كاشفاً للعالم أجمع مستوى الغدر والإجرام والوحشية التي تسكن جسد الحوثي وعصابته.

خسر الحوثي خسارة فادحة بقتل الرئيس السابق، وبات من المستحيل لأحد الزعم بأن الحوثي يعمل لمصلحة الشعب اليمني أو يدافع عنه كما كان يردد حلفاء إيران في المنطقة عبر الفضائيات العميلة ليل نهار، فأي دفاع عن اليمنيين تقوم به عصابة قتلت بدم بارد من حاول وقف سفك الدماء وفتح الباب امام الحوار والتفاوض لانهاء الصراع؟

هل هناك الآن من يستطيع الدفاع عن مشروع سياسي وطني للحوثي وعصابته؟ نعم لديهم مشروع ولكنه مشروع إيراني بامتياز، وهو مشروع كان يدركه الرئيس السابق صالح جيداً، ولكنه تباطأ كثيراً في الكشف عنه ومصارحة شعبه بذلك، فربما كانت هذه المصارحة كفيلة بمحو كل اخطائه وخطاياه في حق الشعب اليمني خلال توليه الحكم وبعده لو كان قد بادر بها في بدايات الأزمة، ولكنه لم يفعل عناداً أو طمعاً أو انتقاماً أو رغبة في اثبات وضعيته السياسية كرقم صعب في المعادلة اليمنية.

القادم في اليمن بات أصعب فالمستقبل المنظور مفتوح على كل الاحتمالات، فالحوثي بات أكثر شراهة للدماء، وأكثر ميلاً للانتحار لافتقاره إلى البدائل والحلول واحساسه بمزيد من الخطر وصعوبة وجود حل سياسي يكون هو وجماعته شركاء فيه، فمن ذا الذي يمتلك جرأة خيانة الشعب اليمني مجدداً والادعاء بأحقية ميلشيات عميلة في نصيب من الشراكة في حكم بلد عربي عريق!

صحيح أن الحوثيين أحد مكونات الشعب اليمني، ولكن عليهم نبذ القيادة التي عرضت هذا الشعب لكوارث إنسانية وصحية ومجاعات لم يعهدها هذا الشعب الكريم في تاريخه.

أخطأ صالح حين وثق بالحوثي في البداية وحين وثق بشكل زائد في مقدرته على مواصلة "الرقص على رؤوس الأفاعي" كما كان يحلو له أن يقول، وغامر كثيراً في سلسلة من التحالفات والتحولات على مدى تاريخه، ولكنه لم يفطن إلى خيانة من يدير ويوجه حلفائه من أعداء الأمس، ولم يأخذ بشكل جاد تماماً أن الحوثي يتلقى تعليماته من طهران!

سيدفع الحوثي وعصابته ثمناً غالياً لقتل صالح، فحسابات الأرباح والخسائر في قرار قتله ليست في مصلحة الحوثي بقدر ما هي في مصلحة إيران التي لا يهمها اليمن وشعبه، واتخذت القرار من دون تفكير في عواقبه الداخلية، بل انحصرت حساباتها في تفادي محاصرة نفوذها المتمثل في جماعة الحوثي، والرغبة في عدم منح دول التحالف العربي أي فرصة لانهاء الصراع والخروج من اليمن، الذي تسعى إيران إلى تحويله لمستنقع يستنزف قدرات دول التحالف العربي وينهكها عسكرياً ومادياً، وهذا ما تدركه هذه الدول جيداً وتتحسب له وتعمل على تفاديه بأقصى طاقة ممكنة، من خلال التركيز على قتال الحوثي والعمل على معالجة آثار جرائمه وتطويق نفوذه بما يجنب الشعب والدولة اليمنية تفاقم فاتورة هذه الجرائم قدر الإمكان.

من الأمور المثيرة للسخرية أن يسرب الحوثي تصريحات على لسان بعض قادته يشير فيها إلى استعداده للحوار مع المملكة العربية السعودية، فلم إذاً قتلتم صالح بدم بارد؟ وهل فعل سوى عرض مبادرة للحوار والتفاوض مع دول التحالف العربي؟ الا تدركون أن حديثكم الآن عن الاستعداد للحوار هو اعتراف صريح بأن القتل استهدف الانفراد بالقرار ولا علاقة له بالمؤامرة المزعومة التي رددها الحوثي ودعا أنصاره للاحتفال بالقضاء عليها؟!!

هل يصدق الحوثي أن دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية يمكن ان تضع يدها في يد هذه اليد الملوثة بدماء آلاف اليمنيين، فضلاً عن جرائمها السياسية بانقضاضها على الشرعية الدستورية والتسبب في إرجاع اليمن عشرات السنوات إلى الوراء تنفيذاً لمخطط إيراني استهدف السيطرة على هذا البلد العربي العريق من أجل الضغط استراتيجياً على دول مجلس التعاون، وتحويل اليمن إلى شوكة في جنب هذه الدول!

حتماً لن يجد الحوثي شريكاً له في اليمن بعد جريمته المروعة بقتل شريك الخيانة التي استمرت ثلاث سنوات، ولن يجد من يصدق أنه يبحث عن مصالح الشعب اليمني، فرغم أن قتل صالح يحول بينه وبين الغطاء الشعبي الداعم لجرائمه، فإنه الآن بات في نظر اليمنيين مجرم قاتل غادر لا يمكن الوثوق به.

عجباً لتصريحات الرئيس الإيراني في تعليقه على مقتل صالح، حيث قال "إن اليمنيين سيجلعون المعتدين يندمون على أفعالهم"، فهل يريد روحاني أن يقنع أحد بأن القيادة الإيراني تشعر بالتعاطف مع الشعب اليمني؟ لم نر أثراً لهذا التعاطف سوى إرسال الأسلحة والصواريخ والمتفجرات التي استخدمها الحوثي ضد الشعب اليمني طيلة ثلاث سنوات مضت، ولم نر سوى تعبئة صناديق المساعدات الإنسانية المزعومة بالقنابل والذخائر لجماعة الحوثي؟