لا يملك كرد العراق بعد فشل وضع استفتاء تقرير المصير موضع التنفيذ غير التمسك بعلاقات الصداقة والتحالف مع الولايات المتحدة رغم الرفض الأمريكي للاستفتاء الذي ثبّت حقّاً لايمكن إنكاره وإن كان صعب التحقق في هذه المرحلة للعديد من الأسباب ليس من بينها بالتأكيد إرادة الشعب الكردي الواضحة وضوح الشمس والعصيّة على الانكسار خصوصاً بعد أن تكشفت مواقف كثيرين كانوا يثرثرون حول هذا الحق ثم صمتوا صمت القبور حين حانت ساعة الحقيقة، وإذا كان الكثير يعدد خسائر الكرد من الاستفتاء المغدور فإن من الممكن الرد عليهم بأنه أوضح حقيقة انتماء هذا الشعب دون مواربة أو تزييف وأن ذلك يستحق دفع أي ثمن.

ليس هناك شك بأن الكرد أصيبوا بخيبة أمل من الموقف الأميركي مثلما أصيبوا بخيبات من مواقف دول إقليمية كانت توهمهم بوقوفها مع حقهم وتنكرت لهم عند اللحظة الحاسمة وإذا كان من واجب الكرد إعادة النظر في علاقاتهم الخارجية فإن ما يجب التوقف عنده بشجاعة هو الاستمرار باعتبار نفسه حليفاً وصديقاً لأمريكا وأن يعمل على أن يستمر ويظل دائماً أولوية، رغم أن فقدان الأمل بواشنطن لم يكن فقط بسبب السياسة الأمريكية الرافضة للتعبير الحر عن رأيه، بل للأحداث التي تلت تلك المرحلة، فقد تغاضت عن استشهاد حوالي ألفين من البيشمرجه في معركة التصدي للخطر الداعشي الذي لم يكن يستهدف إقليم كردستان فقط بقدر ما كان خطراً على أوروبا والولايات المتحدة والعالم أجمع.

بديهي أن تنطلق السياسة الكردية من أساس متين يتمثل بعدم الندم على إجراء الاستفتاء، أواعتباره خطوة خاطئة، لأنه لم يكن غير عملية سلمية تعبر عن آراء الشعب بشأن حق تقرير المصير، والمؤكد أنه لا أحد في إقليم كوردستان يرى أنه ارتكب خطأ حينما شارك في الاستفتاء، فقد كان الأمر مجرد عملية ديمقراطية للتعبير عن الإرادة لا أقل ولا أكثر، بحسب تعبير نيجيرفان بارزاني رئيس وزراء الإقليم الذي يؤكد "إن الموقف بعد الاستفتاء يتمثل بحل المشاكل مع بغداد بموجب الدستور، لكن حق تقرير المصير سيظل باقياً مثلما هو. هذه مرحلة جديدة ونأمل في أن يدعم الأمريكيون قضيتنا".

الموقف الأميركي مهم جداً في مرحلة التفاوض المنتظرة والمتعثرة بين بغداد وأربيل، ويبدو أن العاصمة الاتحادية ترى أن الكرد فقدوا كل حليف، لكن الواقع يقول إن العالم لن يقف متفرجاً على تجريد الكرد من حقوقهم كافة وأن على بغداد التفكير بطريقة النزول عن الشجرة العالية التي ارتقتها.