يقال: مصائب قوم عند قوم فوائد... ففي الوقت الذي يضرب الارهاب الانسان اولاً ومن ثم الدول التي تقف ضده، يوظف الوجه الاخر، والذي اصبح يدعى باليمين المتطرف، هجمات الارهابين لأغراض المنفعة السياسية، ويستغل هذه المناسبات للعمل على تثبيت اقدامه في الساحة السياسية، بعد ان كان هذا اليمين المتطرف مهمشاً في ساحته. فمع تزايد نشاط الارهابين، تنقلب الصورة في المجتمع، ويحمل سراب هذه الصورة، ويبدو هو المنقذ، ومخلص البشرية من كل اشكال القتل الوحشي الذي ينفذه الارهابي بصورة عشوائية واينما يكون غير مبالي بطبيعة البشر الموجودين، فالإرهابي المدافع عن الاسلام مثلا، لا يتوانى في قتل المسلمين الابرياء من اجل تنفيذ مهمته، من منطلق ان الله سوف يختار الصالح منهم في جنات الخلد والطالح يريمه في نار جهنم وبئس المصير، وبذلك ينفض عن نفسه مسؤولية الجرم الذي اقترفه، باعتبار ان هذا الجرم، او الارهاب الذي قام به هو في سبيل الله. وبالطبع هذه الفلسفة يحقنها في راس الارهابي، من يتمكن من قولبة الآيات والاحاديث بالشكل الذي تتناسب مع اهدافه، دينية كانت ام سياسية. 

وامام هذه الصورة، صورة الارهابي المهاجم، والمتطرف المدافع، اصبح العالم يقف حائراً، ومنقسما على نفسه ما بين دعم الاحزاب المتطرفة، وما بين كيفية ايقاف هذا الارهاب. وعند هذه الوقفة، يجد الانسان نفسه مرغماً على اختيار الاحزاب المتطرفة، او الشخوص السياسية المتطرفة، كما حصل مع ترامب، فبرغم معارضة الكثيرين من الحزب الجمهوري الذي ترشح باسمه، الا ان الاختيار وقع عليه. اختيار ادهش العالم، وفاجأه، وقلب الموازين، وجعل المفكرين السياسيين يتأملون ملياً، عن اسباب صعود التطرف اليميني، برغم معرفتهم بالأسباب، الا انهم لم يتصورا ان التطرف اخذ يتغلغل في عقل الانسان العادي، الانسان الذي لم يحمل التطرف. 

ان الفعل الذي ينجزه الارهابي، اخذ يفعل مفعولا عكسيا في تفكير المقابل، وجعله يكون متطرفاً، ومن حيث لا يدري، املاً في القضاء على فعاليات الارهابي الوحشية، وذلك بالوقوف بالضد، ومن نفس الباب الذي يدخل منه هذه الارهابي، ولكن بصورة حضرية اصبحت تدعى التطرف.

ومن هنا اصبحت يأتي الارهاب بثماره لصالح التطرف، فقد تسلق ترامب الى قمة اقوى دولة في العالم من خلال استغلال العمليات التي يقوم بها الارهابين، ومن هذا صار اليمين المتطرف في هولندا ثاني اقوى كتلة فيها، ومن هنا ايضا اصبح من الممكن جداً لمارين لوبن زعيمة التطرف اليميني في فرنسا، ان تتقلد رئاسة الحكم، فالأرض امامها خصبة، لان فرنسا اصبحت عرضة للإرهاب عدة مرات، وجارتها بريطانيا كذلك، حيث ضربها الارهاب هي الاخرى مرة اخرى.

لقد صار الارهاب سلماً لصعود التطرف، واصبح الانسان هو الخاسر الوحيد من هذه المعادلة.

ان الاحزاب تأتي عادة لخدمة الانسان، والمجتمع، والوطن، ولكن عندما تأتي لخدمة شريحة معينة فقط، فانه يؤدي الى خلل في فلسفة التعايش السلمي بين بني البشر، والى ظهور ارتدادات فكرية معاكسة قد تكون اشد، تودي الى تحطيم البنية التحتية للمجتمع الذي اساسه الفرد.

يبقى السؤال ما هو الحل ؟

من خلال التاريخ الذي عشناه، والذي قرأناه نلاحظ ان القوة لم تأتي بثمارها في محاربة الارهاب، فالإرهاب ظل قائماً، وآثاره النفسية لا تزال عالقة في الفكر البشري، فالتركيز ظل على محاربة الافراد الحاملين للفكر اكثر من التصدي للفكر نفسه، وحتى ان تم التصدي للفكر الارهابي فانه يتم بصورة ضعيفة، او بصورة منمقة، خوفاً من كسر الاطار المقدس الذي يقف وراءه الارهاب.

التصدي للإرهاب، بجرأة، وحزم، يتم بتغيير، ورفع، واستئصال كل فكر يؤدي الى الارهاب، حتى وان تواجد في الكتب التي نقدسها، الضبط كما فعلت اوربا عندما ابتعدت عن الافكار "المقدسة" الهدامة، التي استمرت زهاء الف عام وادت الى تخلفها، وعندما استأصلت الفكر النازي بعد الحرب العالمية الثانية