(1)

أغوتني «إيلاف» غواية لم أشأ أن أفيق منها، ولا أريد، ولا ينبغي، منذ أن كنت من أوائل الكائنات الصحفية الإلكترونية التي اتخذت ولا تزال من «إيلاف» صفحتي الرئيسية على النت، كأول يومية إلكترونية صدرت من لندن 21 مايو 2001 وقد صاحبتني جزءاً من سنوات التي تواصلت 26 سنة في منطقة الخليج بين ( 1984 - 2010) وبالتحديد في مسقط، وكم أشعلت «إيلاف» في طريقي شموعا كثيرة لم تكن تعرف إلا التوهج ولم تعترف بالانطفاء أبدا..أثناء عملي الصحفي في عشرات الصحف والمجلات العربية، منها جريدة الشرق الأوسط، ومجلة المجلة في لندن، ومجلة فوربس الأمريكية بدبي، وصجف دار السياسة الكويتية، وزهرة الخليج بأبي ظبي ومجموعة صحف دار« أخبار اليوم» التي أنتمي إليها منذ العام 1975.

(2) 
انتظمت علاقتي بـ «إيلاف» ألفة الكترونية، وعاطفة صحفية، وعقلانية فكرية، وتشكيلات جمالية، ويكفيني في هذا السياق أنه جعلتني «مواطنا عالميا» إذ هي التي استطاعت أن تجيبني على السؤال الحائر بداخلي منذ سنوات: في أي عصر من التاريخ نحن نعيش؟ فهي نافذة عربية صادقة العيون واسعة الحدقات، تضع العالم بكل تموجاته عند أطراف أصابعنا، وتوثق عرى هذه العلاقة الإنسانية، خاصة أن كل دولة في عالمنا العربي، منكفئة على نفسها، أكثر من اللازم، فلا نرى إلا تحت أقدامنا وبالكاد، ومع ذلك نضخم ذواتنا، وكأننا محور الكون الوحيد..!.ولقد كسرت «إيلاف» هذه النظرة بمهارة وجدارة إلى أكبر حد ممكن.

(3) 
أستدعي من الذاكرة مشهدا كنت فيه مع نخبة من رجال الفكر والصحافة والتكنولوجيا، يوم أن تجلت «إيلاف» كجريدة الكترونية، فقد أجمع الحضور على أن الصحفي الكبير الأستاذ عثمان العميري يقدم على مغامرة تصل إلى حد المقامرة، وراهن بعضنا - وأنا منهم - ممن يمتلك حدس «زرقا ء اليمامة» على جسارة الخطوة وإيجابياتها، في مواجهة من كان يرى أن المسألة مجرد «موضة صحفية» في ثقافة صورة العالم الافتراضي، وأذكر أنني كتبت يومها في إحدى الصحف الخليجية الكبرى عن هذا المشهد، بتحلياته وتداعياته وتحسباته، وأطلقت سراح الحلم الالكتروني وحللت وتنبأت، وإذا بالواقع يفوق النبوءة، ويصبح موقع «إيلاف» رمزا للصحافة الالكترونية الخالصة، والتي على حد توصيف الدكتور جورج صدقة، عميد كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية«تجربة متميزة عن غيرها، الصحف الورقية التي تملك مواقع إلكترونية» وألحظ معه أن مواقعها تبقى هجينة، بمعنى أنها مرتبطة بالورقيّة وتحاول التحرّر منها، والورق يشدّها إلى مكان ما، والرغبة بالتحرر يشدّها إلى مكان آخر، كما أن مشكلة الصحف الورقيّة تنعكس على مشكلة المواقع التابعة لها، وكأن تلك الأخيرة تحاول التعويض عن خسارة الورقية، بمضامين وعناوين ومحاولات جذب، لا تكون ناجحة دائمًا، وتؤثّر على تلك المواقع، بينما إيلاف تبقى متحرّرة من الركيزة الورقيّة، ولا تحمل خلفها تراثا ورقيا تحاول الدفاع عنه والتحرّر منه».

(4)
وقد أسعدني أن أنضم إلى كتاب «إيلاف» الذين يشعلون مصابيح التنوير في المجتمع العربي، وبدا كل منهم مثل مصباح يوجين الذي كان يحمله في عز الظهيرة.. فما أشد احتياج الناس في بلادنا العربية إلى حملة هذه المصابيح ذات النقد التنويري الكاشف لأوجاعنا المحتلة نفوسنا التي ران عليها الجمود، لعلها تحرك أوضاعنا المختلة في كل المسارات، وتلملم أشلاءنا المبعثرة في كل اتجاه، لاسيما أن «إيلاف» تضفي القيمة المضافة إذ تجمع كل أطياف الفكر العربي وغليان العقل العربي الجمعي، إذا جاز التعبير. 

(5)
عندما تتكلم الصحافة الالكترونية يتكلم الجميع، وإن ينعقد لسانها تتعقد أمور المجتمع، فمنها الانبثاقة لكل وسائل الإخبار والإعلام، وأدوات التعبير والتصوير، وثنائيات العذاب والعذوبة، فالصحافة عمرما هي الأصل وهي الجذر، ولا نمو بدون جذور، ولكي تتطاول الأشجار في العلو تلزمها الرعاية والعناية، ولابد أن تكون هذه الرعاية وتلك العناية ذاتية وموضوعية، وفي الحالتين فإن عشاق صاحبة الجلالة هم أولى بها، مثلما هم أولى بالمجتمع من نفسه.
ومن ثم تبقى »إيلاف» في منظوري إشارة متوهجة وبشارة ذات عنفوان إعلامي مستمر، على أن... العصمة في يد الصحافة.

كاتب صحافي 
رئيس تحرير أخبار الأدب السابق