مُخطىء من ظنّ أن ما يحدث في الأراضي الفلسطينية غير معروف النتائج أو على الأقل المرسومة والمُخططة.

هذا دحلان يتحالف مع حماس في خطوة لم تكن بالبال، وتلك تقارير الجزيرة تُهاجم دحلان وتغمز في قناة حليفتها حماس والأخيرة لا تزال تقول نحن نحاول أن تكون علاقاتنا مع كل الأطراف متوازنة وجيدة قطر, إيران, الإمارات, مصر والسعودية، وهلُم جر.

في المقابل فإن حماس التي تسعى بأن تحافظ على توازناتها الاقليمية تعتقد أن حبل الود "قُطع" بلا رجعة مع الرئيس أبو مازن وحركة فتح، بل يلاحظ المُتابع والعارف بتفاصيل الأمور أنّ كل من حماس وأبو مازن رأسان مطلوبان للمرحلة القادمة فتحاول حماس الحفاظ على نفسها والنأي بها من التغيير القادم في تحالفاتها الجديدة .. أما أبو مازن فلا زال يلتزم منطق "الحياد" حتى اللحظة .

وصلت خطة أوباما لنهاياتها، وجاء زمن "ترامب" ليعقد الصفقة النهائية للدخول في مرحلة "أوباما – بوتين" الجديدة بدلًا من "سايكس بيكو" التي انتهى أجلها فلا يحصل أي شيء إلا ونتيجته معروفة مع نسبة خطأ لن تتجاوز الأعشار المئوية, سوريا وقد انتهت فزاعة داعش سيبدأ الحديث حول فصلها وتقسيمها.

أما ليبيا فقد بدأت بترسيم الحدود الداخلية وأصبحت هناك حكومتان معلنتان عدا عن الميليشيات الأخرى التي تنتظر, في العراق فقد أُعلن الانفصال وبقيت بعض التفاصيل التي بدأت بتحرير الموصل وستنتهي قريبًا كون العراق من أولى الدول التي بدأت فيها الخطة الأمريكية,

ومصر بدورها دخلت المزاد مؤخرًا والأطماع القديمة التي ستُعطي مصر فرصة التخلص من جزء أرّقها وسبّب لها الصداع "سيناء" باتت واقعًا وفي لبنان المُقسّم لا ينتظر العرب سوى ضربة اسرائيلية ضد حزب الله لتخليصه من قوته التي باتت أقوى من الدولة هناك, وفي اليمن فقد عاد الانفصال من جديد، ولن تنجح محاولات رأب الصدع فلم يتمكن العرب من حل أزمة "الكوليرا" ليتمكنوا من إعادة اليمن سعيدًا.

السودان يبدو أنها قرأت الخارطة جيدًا فوافق ذو التوجه الاسلامي "البشير" على الفصل دون نقاش أو عناد, الأردن التي تعاملت بإنسانية مع اللاجئين استُخدموا لتغيير النمط الديموغرافي المُنتظم منذ عام 1967 فأصبحت ملاذًا لعراقيين وسوريين وآخرين ..

 

أما نحن في فلسطين فقد أزعجنا الدنيا صراخًا عن الوحدة ومفصلية القضية ومركزيتها، ولا زلنا نُعاني من انقسام "شاذ" منذ أحد عشر عامًا تبدلّت فيها الأفكار وبات الفصل عدا عن كونه سياسيًا اجتماعيًا اقتصاديًا وها هو يتحوّل لفصل جغرافي واقعي.

كل دول العرب وانقساماتها ما كانت لتكون لو استمرّت فلسطين "الجامع والمُوحّد" للعرب أجمعين.

حالة من اليأس والهزيمة الداخلية تستشري في عقول قادة فلسطين في شقي الوطن فكل السيناريوهات التي لديهم "سوداء" وكل المحاولات التي عقدوا آمالًا عليها باءت بالفشل, أسبوع التفاؤل الناجم عن الاستقبال "الترامبي" في البيت الأبيض انتهى, واستمرت إسرائيل بطرح مناقصات المستوطنات بشكل غير مسبوق, أما الضغط تجاه غزة فقد باء هو الآخر بـ"العجز المؤقت" بعد تحالفات غير متوقعة, بقي أن نعرف طريقة التعامل مع قطاع غزة، وهل ستُواجه مخططات الفصل بـ"الحياد" أم ستعود فكرة انهاء الانقسام بعد دفع الثمن؟

السؤال المعكوس هذه المرّة ولا يحتاج لإجابته الكثير من التفكير .. حماس ودحلان طرفا الخصام والانقسام تمكّنا من تجاوز حالة العداء التي لم تتوقف عند غزة وأحداث الانقسام بل كانت حالة عامة بين الاسلاميين وشخص الدحلان (وخطاب الوداع للمعزول مرسي كان واضحًا).. السؤال المطروح: لماذا لم تتمكن فتح بمركزيتها السابقة والحالية وحماس بقيادتها السابقة والجديدة من تجاوز حالة (الخصومة) منذ أكثر من عشر سنوات؟ هل كان السبب شخص المُفاوض (عزام الأحمد – موسى أبو مرزوق) أم أننا اعتدنا على ما يفرض الاقليم علينا فلم يفرض المصالحة لذا لم يذُب الجليد؟

عودة إلى مستقبل القضية الفلسطينية، وما ينتظرها فالوضع الحالي في الضفة الفلسطينية سيستمر على ما هو عليه, فلا حلول سياسية في الأفق سوى بعض التسهيلات الاقتصادية التي وصفها أحدهم (تجعلنا على قيد الحياة). أما السلطة فستستمر في تقوقعها الحالي وستنأى بنفسها عن التغييرات الاقليمية المرتقبة في محاولة للبقاء على قيد الحالة الحالية دون تغييرات سلبية جديدة.

في غزة باتت عبارة "انفراجة" مسخ لا تصدقه العقول أما في القدس العاصمة يُصارعون الاحتلال بطريقتهم وحدهم ولا يشعروا بالاندماج الجغرافي – السياسي والاجتماعي حتى مع باقي ما تبقّى بقية الوطن.

عودة إلى ما بدأنا به فرأس الرئيس مطلوبة ورأس حماس كذلك, كلا الطرفين يعلم يقينًا أنه قد حان وقت الفصل الحقيقي، وكلاهما يعلم أنّ المصالحة الحقيقية هي الحل الأوحد للنأي بالنفس عن ما هو قادم, إسرائيل لا تريد لهما التصالح، وبعض ما تبقى من العرب باتت قضيتهم اعلان التطبيع مع اسرائيل علنًا أم إبقائه سرًا! نقول دومًا لنقنع أنفسنا أننا القضية المركزية، ومن داخلنا نعلم أن الخطر ليس من الاحتلال وحده، بل من أشقاء ضجّوا من فلسطين وأهلها، وتبدلّت عندهم الأهداف لتتقاطع مع الاحتلال بطريقة أو أخرى.

الإجراءات التي اتُخذت لإجبار حماس على العودة للحضن الوطني لن تتوقف في الوقت الحالي, أما إمكانية وقفها واستبدالها بتقاسم "الرغيف" في شطري الوطن فهو مُمكن لا شك أنه صعب لكنه غير مستحيل. حماس وإن تحدثنا بتجرّد فقد حسنّت شروط اللعبة وأصبحت تمتلك أوراقًا جديدة, أما الرئيس فلديه أوراق "الحياة" فلو تحالفت حماس مع الجميع وركنت الى غيره فلن تتمكن من إدارة القطاع، فلو تجمدّت دورة المال نهائيًا فلن ينفع فتح المعبر ولا ادخال السولار بل سيزيد من أعبائها أكثر. لن تأت دولة عربية أو غربية لتدفع رواتب موظفي السلطة وموظفي حماس ولن تضخ أي دولة ما تحتاجه دورة المال لتبقى الحياة على حالها (السيء أصلًا).

المُتوقع ان استمرّت الأوضاع على حالها بتحالف حماس – دحلان واستمرار إجراءات السلطة لحصر تمويل (حماس) كما يُطلق عليه فلن تتجاوز نهاية العام، فما يحدث هو عبارة عن مُسكن موضعي لن يشفي الجرح كاملًا، وقد تكون له أضرار جانبية تزيد الجرح التهابًا وضررًا. أما إجراءات السلطة فأنا شخصيًا مع ضرورة اعادة النظر بها. فقط حتى لا تخسر السلطة وفتح المزيد من حاضنتها الشعبية، فبالعادة يكون الطريق إلى "الجحيم" محفوف بالنوايا الحسنة !

وضعنا الفلسطيني مُحزن وباتت إرهاصات الهزيمة التاريخية واضحة، فاستمرار العناد نتيجته الحتمية "الكفر" وبعد هذا يُمكن القول إننا جميعًا أضعنا فلسطين ومن حقها أن تُدخلنا نار التاريخ وتُظهر لنا جهنمها الحمراء جزاء من خان الوطن وقسّمه.

 

**

قد تجد التفسيرات المختلفة لسبب صمت القيادة الفلسطينية الرسمية في ظل أزمة الخليج القائمة, فلم يخرج أي بيان رسمي في ذلك، ولو أنّ رئيس جهاز المخابرات (الذي ينطق بلسان الرئيس) قد صرّح خلال إفطار رمضاني بنابلس بأنهم مع الحلف السعودي الاماراتي رغم بعض "الغضاضة" مع الامارات إلا أن بيان مركزية فتح "الرسمي" وقف على الحياد مُستبشرًا بحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.

القنوات الديبلوماسية (الخلفية) قد تكون أوصلت الرسالة الصحيحة لسبب عدم اتخاذ قرارًا حاسمًا بما يخص الأزمة الخليجية على الرغم من بعض الغضاضة الرسمية تجاه قطر حليف خصم القيادة السياسي (حماس), إلّا أن الشعور بقهر الماضي ومحاولة الاستفادة من أخطائه دفعت لاتخاذ موقف الحياد, فالعلاقات مع دولة الكويت التي لم تتحسّن سوى بعد عقدين، وجاءت آثار موقف اتُخذ على حين (ثورة) على آلاف العائلات الفلسطينية التي تم تهجيرها من هناك. فالتخوّف الرسمي من إمكانية الاضرار بمئات العائلات الفلسطينية في قطر في محله وإمكانية أن يطالهم العقاب وارد. وفي التاريخ القريب فموقف حماس من سوريا، وما خلّفه ذلك من آهات على الفلسطينيين هناك يجب أن لا يتكرر.

السعودية ودول الخليج التي اتخذت القرار بإعادة قطر لحجمها الطبيعي لن تتراجع بل ستزيد الهجوم، ولن تأبه لآلتها الإعلامية التي تحولّت إلى صانعة تقارير شعرية أدبية باسقاطات تتناسب مع مراهقي الفيسبوك وتويتر, فالسعودية التي تشهد هي أيضًا حراكًا شبابيًا لم تتوقعه كُبرى دوائر صنع القرار أصبحت الدولة العربية الأولى، وهي ممن يرسمون سياسة المنطقة ومستقبلها.

مستقبل قطر إن لم يكن تغيير نظام الحكم فيها بأي طريقة كانت سيكون إعادتها إلى حالها السابق وأن تُصبح كدولة عُمان مع فارق الفائض المالي لديها. التغيير الذي سيتم لن يكون سريعًا أو سهلًا وكذا فإن بعض التحالفات والمفاجآت قد تؤدي إلى إعاقة ذلك، ولكن في المُحصلة فإن ما كان لن يستمر، وما اتُخذ من قرارات لن يتوقف، وكما كانت قناة أبو ظبي يومًا ما "اخبارية" سيكون مستقبل "الجزيرة" كحاضر الأولى!.


*مدير مركز الإعلام في جامعة النجاح الوطنية- فلسطين