لا أجد ما أصف به تصريحات وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بشأن المطالب التي وضعت من اجل إعادة العلاقات الخليجية والعربية إلى طبيعتها مع بلاده، لم أجد في وصف هذه التصريحات سوى أنها نوع من خداع الذات!

نقلت وكالات الأنباء عن الوزير القطري "تنديده" برفض الدول المقاطعة التفاوض حول هذه المطالب، وذلك عقب اجتماع عقده مع نظيره الأمريكي ريكس تليرسون، ولكني لم أفهم مغزى هذا "التنديد" لأن المطالب واضحة، وكان يفترض لأن يصدر قرار أو موقف رسمي قطري حيالها حتى يمكن الحديث عن تفاوض، ولكن أن تتفاوض على المبدأ وتعيد الكرة للمربع الأول فهذه استراتيجية مراوغة مكشوفة، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ولعل الوزير أدرى بذلك!!

يتحدث الوزير القطري عن مبادىء العلاقات الدولية وأسس التفاوض، ويتجاهل أن قيادته قد نسفت هذه المبادىء والأسس بل اخترقت قواعد القانون الدولي ذاته حين سمحت لنفسها بتمويل الارهاب واحتضان الارهابيين والدفاع عنهم عبر أبواقها الفضائية، ثم حين يأتي المتضرر ليدافع عن نفسه تحاول التذرع بالقانون والمبادىء التي لا تزال جاثمة تئن تحت أقدام قيادتك!!

ألا نتذكر المبادىء والقوانين والأخلاقيات سوى حين يلف الحبل حول رقابنا وتبدأ لحظات الحساب، لا يا رجل فليس هكذا تورد الأبل، فالأصل في الأمور أن تتحرى المبادىء والأخلاق والقانون الدولي ثم تحتمي بكل هذه الترسانات القانونية والأخلاقية حين يجور عليك آخرون، لكن أن تقلب الموازين وتضرب الحائط بكل المعايير والأسس والقواعد المتعارف عليها ثم تخرج صائحاً شاكياً باكياً رافعاً شعارات سبق لك أن اشعلت فيها النيران ومزقها حذائك عن عمد وإصرار وتعمد، فهذه هي الوقاحة التي لا أجدها عملاً مفهوماًـ بل لا يفعلها سوى نوع واحد من البشر: الساقط أخلاقياً وانسانياً.

قائمة المطالب الخليجية من دولة قطر ليست سوى محاولة لإعادة السياسة القطرية إلى مسارها الطبيعي والاصطفاف مجدداً ضمن حاضنتها الخليجية والعربية، التي تعد شرطاً طبيعياً للبقاء ضمن منظومة مجلس التعاون والجامعة العربية، إذ لا يعقل أن تضم المنظومتان من يعمل ضد مصالح شعوب ودول بقية الدول الأعضاء، بل يمارس أعمالاً عدائية بكل ماتعنيه الكلمة من معان! كيف يعقل أن تعالج الأمور بحكمة في ظل وجود من يرتكب الجرائم ويحرض الارهاب ضد شعوب هذه الدول؟!

المسألة إذن ليست فرض وصاية ولا إبعاد عن قيم إخلاقية مزعومة ولا شىء من هذا الكلام الخاوي من المعاني والادعاءات التي ترددها آلة الدعاية القطرية، بل هي محاولة جادة لوضع مرآة أمام القيادة القطرية كي تستطيع مكاشفة نفسها والتطهر من هذا الكم الهائل من المغالطات والجرائم.

نعرف مسبقاً أن قيادة قطر لا يهمها مصلحة شعبها في شىء، فلو كان الأمر كذلك لما أنفقت واهدرت كل هذه المليارات في مشروعات ضد مصلحة هذا الشعب وبقية الشعوب العربية، ولكن قائمة المطالب هي مسعى جاد لاستعادة قطر المخطوفة وتطهيرها من جرائم هذا النظام.

وبالتالي فإن الظهور بمظهر الضحية والاصرار على ترويج فكرة المظلومية سيعرض الدولة القطرية لمزيد من الضغوط والعقوبات، وكان حتماً على القيادة القطرية أن تقرأ "الرسالة" جيداً منذ البداية بدلاً من الرهان على عامل الوقت والوساطات في الضغط على الدول المقاطعة للتنازل عن مطالبها، فقد كان واضحاً منذ البداية أن الكيل قد فاض، وقيل ذلك تصريحاً وتلميحاً، من عواصم الدول المقاطعة، ولكن القيادة القطرية راهنت كعادتها على حسابات لم يكن لها نصيب من الدقة منذ البداية، فكان هذا المأزق المعقد الذي يواجه الشعب القطري بأكمله الآن!

لم تقدم القيادة القطرية أية بوادر حسن نية تجاه دول الجوار كي يمكنها بناء قضية وتسويق موقفها لدى العالم، بل التزمت العناد والكبر، وصممت على انتزاع نصر سياسي مزعوم، بغض النظر عن المليارات التي خسرها الاقتصاد القطري في هذه الأزمة، ومضت وتكبرت ولم يكن في البال سوى الرهان على ضغوط المجتمع الدولي والتلويح بورقة إيران وتركيا، من دون إدراك دقيق لحجم هذه الورقة التي لم تعد تثير قلق أي طرف!!

أقولها للقيادة القطرية بكل الموضوعية: الملالي لن يخوضوا حرباً من أجل الدفاع عن أمير قطر، والسلطان أردوغان سيكون أول المشيعين لمرحلة الأمير تميم في حال لاحت له في الأفق مصالح استراتيجية أهم وأكثر فائدة، ومقدرتكم على الامساك بكل الخيوط والأوراق لعبة خطرة أنتم أول الخاسرين فيها، فدور قطر، بل لعبتها، كانت مصلحة لأطراف اقليمية ودولية كثيرة، والآن وقد تغيرت الأمور وتبدلت الأحوال والحسابات الاستراتيجية، وموازين القوى الاقليمية والدولية نوعاً ما، فإن الموقف قد تغير جذرياً، والارهاب ينهزم ويتلقى الضربات واحدة تلو الأخرى، وأصبح رهان الدوحة عليه مسألة لم يشهد لها التاريخ مثالاً في الغباء وسوء التقدير بل الانتحار السياسي!!

هل تفيق القيادة القطرية قبل الآون؟ أنا شخصياً لدى يقين بأن ذلك لن يحدث لسبب بسيط هو قناعتي بأن هذه القيادة متورطة حتى النخاع في دعم متطرفين.