إن الوضع السياسي في إقليم كوردستان، لا يختلف كثيراً عنه في أية جغرافية متوترة، لكنه في النهاية قد يثمر نجاحه بحلول جذرية، تجمع بين السلبية والإيجابية، بين إخفاء جذور الإرهاب وظهور بدائل الأمن والاستقرار، خاصة أن معظم العمليات الإرهابية، التي تحدث في العالم، يكون معظم مخطّطيها ومنفذيها من العرب. 

عندما حدّد إقليم كوردستان موعد إجراء الاستفتاء في 25 أيلول من هذا العام، ظهرت مواقف الدول المعنية بهذا الشأن، بين مؤيّد ومعارض ومتذبذ وملتزم بالصمت. فأمريكا ترى أن الاستفتاء على استقلال كوردستان قد يشتّت الانتباه عن محاربة تنظيم داعش، والاتحاد الأوروبي يؤكّد أن مصلحة الشعب العراقي تقتضي البقاء ضمن عراق موحّد، في حين تركيا وإيران، واللتان تُعتبران عدوّتان لَـدودتان للكورد، فعبّرتا عن موقفهما في أن الاستفتاء خطأ فادح، ويهدّد وحدة وسلامة أراضي العراق، ويمكن أن يؤدّي إلى مشكلات جديدة.

أما موقف ورؤية العرب، فهو واضح منذ أكثر من قرن، فالعرب يعتبرون أن حالة التفكّك والفوضى والتشرذم التي أعقبت اجتياح تنظيم داعش لمساحات واسعة من شمال العراق وغربه، تُعتبر العامل المساعد الرئيسي في خطوة إقليم كوردستان على تقديم مشروع الاستفتاء والاستقلال عن العراق بدولة كوردية جديدة في الشرق الأوسط، هذا الاستفتاء الذي كان حتى في وقت قريب، من الأمور التي تعتبر "محرّمة" في العراق، ويُتهم صاحبها بالخيانة العظمى.

كوردستان التي وضعت قوتها، في ثلاث قواعد عسكرية، «أميركية وبريطانية، فضلاً عن مطار عسكري يستخدم لعمليات التحالف الدولي» بشكل يمنع أيّ تفكير عربي أو إيراني أو حتى تركي بالتدخل العسكري، لمنع أو إجهاض حلم الدولة الكوردية، ساعدتها أيضاً الحالة السياسية في العراق وأزمات المنطقة العربية من تناحر واضح منحها تأييد دول في المنطقة لهذه الخطوة ليس حباً أو تعاطفاً، بل نكاية بدولة أو طرف ما.

الدولة الكوردية الجديدة في الشرق الأوسط، ستكون “الميزان الاستراتيجي“ في المستقبل، الميزان الذي سيجلب الأمان والاستقرار، بعد أن فضح العرب ضعفهم وهشاشة وعودهم بالكلمة السياسية، منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، هذه الدولة التي ستكون ميزاناً للدول الأربعة بالتمام والكمال، فلا العصبية المذهبية الإيرانية ولا تطلعات أردوغان، ولا حتى استبداد الأسد يمكنها أن تجهض ذلك، ناهيك عن إمكانية الكورد البترولية والمائية والزراعية، فالمسألة الكوردية هي الأخرى قوّة نتاج الهشاشة السياسية في الدول المعنية الأربعة، وهي الآن تجري نحو تحقيق هدفها، وستكون الدولة الكوردية صديقة للعرب أكثر من تركيا وإيران، خاصة وأن الكورد لم يرتكبوا أية انتهاكات في حقوق الإنسان ضد العرب، كما هم فاعلوها ضد الكورد، من مجزرة حلبجة والأنفال والممارسات القمعية ضد التنظيمات وتشريد الآمنين منهم، ومن ناحية أخرى أصبح للكورد أنصار بين العرب، كتاباً، وقيادات سياسية، وحكومات، وشخصيات بارزة على صعيد الأعمال والنفوذ، بين مؤيّد أو على الأقل ملتزم بالصمت، خاصة الموقف الداعم لدول الخليج العربي، وذلك لمواجهة خطورة إيران، وتمدّدها. 

وسط الانتهاكات الخطيرة التي تمارس ضد الكورد في غربي كوردستان، وحالة الصراع والانقسام السياسي على إدارة المناطق الكوردية، يترقّب الكورد بقلب وعيون مفعمة بالحسرة والتعب، لعملية الاستفتاء القريبة، ويتساءلون عن مجيء لحظة تاريخية تنجّيهم من هذه الويلات والأزمات، وتوصّلهم نحو هدفهم في الحرية والاستقلال، بتنظيم استفتاء على مستقبلهم، الذي لا زال مجهولاً حتى يومنا هذا، ويخلّصهم من العرب المتشدّدين والبعثيين وحلفاؤهم المحلّيين، ولو فكّر الكورد في غربي كوردستان ملياً في حالهم وأحوالهم وترحالهم هنا وهناك، سيكتشفون أن الخلاص يكمن في مطالبة أحزابهم وحركاتهم ومجالسهم السياسية في الانضمام إلى الدولة الكوردية، التي ستعلن قريباً في جنوب كوردستان، وهلى أيدي الذي يملك مفتاح حل قضايا الشرق الأوسط المعقّدة. 

يقول غسان شربل الكاتب ورئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط في مقالته «العراق وسوريا وبصمات الأكراد» أن: “الخرائط تحتاج إلى صيانة. كي لا تهرم. أو تتفسّخ. وأن العلاقات بين المكونات تحتاج هي الأخرى إلى صيانة مستمرّة“. 
أي، أن العرب وخاصة سوريا والعراق، وبما فيهم تركيا وإيران لو قاموا بصيانة خرائطهم سياسياً وجغرافياً وعسكرياً وحتى الخريطة الإعلامية والاقتصادية والثقافية، لما هرمت أراضيهم وانفجرت ثورات وربيعاً عربياً، ولو أعادوا التفكير في كيفية التعامل مع المكونات التي تعيش بينهم، لما كبرت قوة هذه المكونات، ليتراجع دورهم نحو المزيد من العنف والإرهاب والتشتت والضياع، ليكونوا من الدول الضعيفة وغير القادرة على قيادة وإدارة شعوبهم، ولعل هذا الحال ينطبق على كل من سوريا والعراق، فلو منحوا الكورد في غربي وجنوبي كوردستان الحقوق الثقافية وحقوق المواطنة، وعاملوهم على أنهم بشر وأن لهم قيمة إنسانية، لما وصل إليه الكورد من تقدّم والعرب من تأخر وتراجع. وأيضاً كان ظهور تنظيم داعش بصفة «عربية إسلامية» العامل الأكبر والأقوى، لتفكّك آليات صيانة الخريطة العربية. 

إذاً، المطلوب من الكورد في غربي كوردستان، أن يقوموا بصيانة برامج أحزابهم السياسية، وسياساتهم تجاه تقلبات المنطقة كوردياً وعربياً، ليتماشوا وفق التطورات الدولية والإقليمية، هذه الصيانة التي تعتبر ضرورة وجودية ملحة، من حيث ترتيب أمورهم مع التحالفات التي انضموا إليها منذ بداية الثورة السورية وحتى الآن، ولعلّ أهم تعديل يجب أن يطرأ على سياسة الكورد في غربي كوردستان، هي أن يطالبوا المجتمع الدولي في أن يتوحّدوا سياسياً وجغرافياً ضمن خريطة الدولة الكوردية، التي ستقام قريباً في إقليم كوردستان، وبإشراف وموافقة من الدول العظمى، وأيضاً الحليفة لهم، ويعملوا ويناضلوا في سبيل تلك الصيانة، ويسلكوا فكر الكورداياتي بدلاً من نضال الحزباياتية المميتة.

انتهت اتفاقية سايكس بيكو، وما جرى في هذه الاتفاقية عام 1916 من خلط للأوراق وتوقيع لاتفاقيات وتفاهمات سرية، تضمنت بإزاحة الكورد من خريطتهم التاريخية، لن يتكرّر اليوم، والأمر جليّ للجميع، وإن لم نتوحّد نحن – أبناء الجزء الغربي من كوردستان – مع إقليم كوردستان ضمن الدولة الكوردية، فإن مصيرنا سيكون كارثياً، اكثر من الكارثة الراهنة التي نعيشها، لأننا قد نعيش ضمن مشروع الأمة الديمقراطية، وهو مشروع وهمي مؤقّت، فارغ من روح الكورداياتي، أو ضمن مشروع الإخوان المسلمين، المدعوم تركياً، وهو القريب ولو بشكل آخر من مشروع تنظيم داعش الذي أخفقه الكورد وحلفاؤهم، أو سيعيشون بصفة “مواطن عربي ذليل“ في سورية مجهولة الهوية والمستقبل، لكون تركيا أيضاً ستعمل جاهدة على تشتيتهم والقضاء عليهم، وهي اليوم تعمل على محاربتهم في عفرين وريف حلب، وأمام أنظار الروس والأمريكان والتحالف الدولي، بعد أن فشلت في كوباني وسري كانيه، وعدم توحّدهم والانضمام إلى الدولة الكوردية سيفقد ما تبقّى من هذا الغرب الكوردستاني، في ظل أجندات حزبية وإقليمية.