لم تکن دول المنطقة و العالم تفکر في عهد الشاه بتغيير النظام القائم فيها بل وحتى لم يکن هناك من طرح مجرد تصور بهذا الصدد، رغم إن نظام الشاه کان يٶدي بالاساس دورا سلبيا في غير صالح المنطقة على وجه الخصوص وکانت تربطه بإسرائيل علاقات حميمة إضافة الى دوره في تقديم دعم للأکراد العراقيين في قتالهم ضد الحکومة العراقية، لکن وفي عهد نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي قطع العلاقات مع إسرائيل و دعا"نظريا و في إطار الشعارات فقط" الى إبادتها و إزالتها من الوجود، و صار الى حد ما الحاکم بكمره في أربعة عواصم عربية، فإن فکرة تغيير النظام في إيران وإن لم تکن مطروحة من جانب دول المنطقة فإنها وعلى الرغم من ذلك فإن دول المنطقة ترحب ضمنيا بها بل و حتى تتمنى ذلك من أعماق قلوب قادتها!

فکرة التغيير في عهد الشاه لم تکن إقليميا ولا دوليا مطروحة يومها، ولکن الشعب الايراني کان يناضل و يعمل من أجلها بجد و إخلاص، وعندما سقط عرش الطاووس في إيران کانت هناك دول في المنطقة تعيش حالة الصدمة من هول المفاجأة، اليوم و في العهد الديني القائم في إيران، فإن فکرة التغيير ليست مطروحة من قبل الشعب فقط وانما القادة و المسٶولين الايرانيين أنفسهم يتحدثون عنها و يحذرون منها، کما إن فکرة أو نظرية التغيير في إيران، باتت بمثابة خيار دولي مطروح على الطاولة، وهو ماتعلمه طهران قبل غيرها جيدا و تسعى حثيثا من أجل عدم تفعيله على أرض الواقع.

دول المنطقة التي عانت الکثير من جراء التدخلات الايرانية السافرة في شٶونها و تلك التصريحات"النزقة"المطلقة من جانب قادة و مسٶولين إيرانيين بشأن تمکنهم من تحقيق ماقد عجز عنه الاباطرة الايرانيين في العهود الغابرة بالوصول الى البحر المتوسط، وهو کلام ينزع العباءة الدينية الخرقاء عن النظام و يکشف معدنه الحقيقي، من إنه يستغل الدين لأهداف سياسية. إيران التي تسير بخطى مستمرة للأمام من أجل تنفيذ مشروعها للسيطرة على المنطقة کلها بطريقة و أخرى، فإنه يجب التيقن من أن هدفها الاکبر و الاهم هو الوصول الى السعودية و السيطرة على الحرمين الشريفين، وإن تشبثها باليمن الفقير إقتصاديا و الهام و الحساس جغرافيا، و دعمها غير المحدود لجماعة الحوثي، إنما هو من أجل الهدف الاهم أي الوصول للسعودية، ولايجب هنا الاستهانة او التقليل من التصريحات التي تم إطلاقها من جانب قادة في الحرس الثوري بشأن السيطرة على السعودية و إسقاط نظام حکمها، إذ سبق لهم وان طرحوا الکثير من التهديدات ضد العراق وحققوا مرادهم بطرق مختلفة، لکن ومع کل هذا الخطر الکبير و الجدي المحدق بالمنطقة فإن دول المنطقة لازالت کما يبدو تقف مشدوهة لترى سقوط عاصمة عربية أخرى بيد إيران من دون أن تبدي جهدا مضادا في مستوى و حجم الجهد المبذول من جانب طهران.

السٶال الاهم الذي يجب طرحه و مناقشته بدقة هو: هل التغيير ممکن في إيران؟ هل إن هناك أرضية مناسبة لحدوث التغيير؟ سوف لانقوم بالتهويل و تضخيم الامور و جعلها تبدو أکثر مما هي عليه، بل سنحاول مناقشة القضية بصورة منطقية، وسندخل من باب قد يبدو غريبا للبعض لکنه نقطة العطف و الارتکاز المهمة، فقبل بضعة أسابيع، بادرت السلطات الايرانية"الاسلامية" الى القيام بتوزيع حصص من المواد المخدرة على المدمنين الذين صاروا جيشا يمکن و طبقا للکثير من المٶشرات تقديره بالملايين، علما بأن هذه السلطات قد رفعت و ترفع شعار محاربة المواد المخدرة و المتاجرين بها وإن عقوبتها الاعدام، ولکن أليس غريبا أن تعود السلطات"الاسلامية"، بعد 38 عاما من حربها المعلنة ضد المواد المخدرة و المتاجرين و المدمنين عليها بأن تقوم بنفسها بتوزيع المواد المخدرة علما بأن التبرير الرسمي المطروح لذلك هو لکي يقطعون الطريق على إستغلال المتاجرين بالمواد للمدمنين، وهو تبرير سمج و مثير ليس للسخرية وانما حتى للشفقة.

في عهد الشاه، کانت السلطات الايرانية تشرف على توزيع المواد المخدرة"تماما کما يجري الان"، وکان الهدف من هذا الامر واضحا هو أن يبقى الشعب منغمسا و منشغلا بأمور تبعده عن التفکير في النظام و شٶونه، والذي يبدو واضحا من إن"حليمة عادت لعادتها القديمة"، وعاد الشاه المعم للسير على خطى سلفه الشاه المتوج من أجل درء خطر التغيير عن نفسه خصوصا بعد أن رأى بأم عينيه موقف الشعب منه في إنتفاضة 2009، لکن الذي يبدو واضحا جدا هو إن إيران تکاد أن تعيش ظروف عام 1977 و 1978، التي مهدت للثورة الايرانية، فالشعب الايراني معظمه يعاني من الفقر و الجوع اللذين صارا بمثابة ظاهرتين مألوفتين في إيران، بالاظافة الى ظاهرات أخرى نظير بيع الاطفال(سعرهم بموجب بعض التقارير 30 دولار فقط)، و بيع أعضاء الجسد بل و بيع الفتيات، والاهم من کل ذلك إتساع الفوارق الطبقية بصورة غير مسبوقة ولانظير لها حتى في عهد الشاه، ولعل التصريح الاخير للرئيس روحاني وهو يخاطب المطالبين برفع أجورهم و تحسين أوضاعهم المعيشية:"أذهبوا الى بيوتکم"! يمکن إعتباره إشارة أکثر من واضحة عما قد وصل الحال بالنظام الاسلامي في إيران.

هذا داخليا، أما خارجيا، فإن صدور تقرير المقررة الخاصة المعنية بأوضاع حقوق الانسان في إيران التابع للأمم المتحدة، حيث تم ولأول مرة تخصيص عدة مواد فيها لقضية مجزرة عام 1988، التي تم إعدام 30 ألف سجين سياسي من أعضاء و أنصار منظمة مجاهدي خلق، يمکن إعتباره نقطة بالغة الاهمية و التأثير، خصوصا وإنه يعني بداية تدويل هذه القضية، تماما کما کان الحال مع قضايا حلبجة و الانفال و الدجيل غيرها ضد نظام البعث في العراق، لکن الذي يجب أخذه بنظر الاعتبار هو إن قيام الامم المتحدة بتخصيص مواد لتلك المجزرة، يأتي بعد مضي سنة على النشاط المستمر لحرکة المقاضاة التي تقدها زعيمة المعارضة الايرانية مريم رجوي بنفسها و المطالبة بفتح ملف مجزرة عام 1988 و محاکمة القادة و المسٶولين الايرانيين المتورطين بها، کما إن هناك أيضا وفي داخل إيران مايمکن وصفه بحراك شعبي متداع عن هذه الحرکة، وقطعا فإن لهذا الامر معناه و مغزاه العميق فيما لو فکرت به دول المنطقة بجدية وقامت بدعم هذه القضية ضد طهران(وهو واجب اخلاقي و إنساني في الاساس و ستکون له آثاره و مدلولاته مستقبلا)، فهو الباب الذي سيفتح العاصفة على طهران، خصوصا إذا ماتذکرنا جيدا بأن قضية حقوق الانسان في إيران عامة و قضية مجزرة 1988 خاصة، تعتبر بمثابة کعب ايخيل لطهران.