ليس مفاجئاً لمن يعرف السلوك السياسي القطري جيداً أن تلجأ الدوحة للمراوغة في أحد أهم منعطفات الأزمة التي تمر بها مع الدول الأربعة الداعية لمكافحة الإرهاب، فالألعاب الرخيصة مثل تحريف مضمون المكالمة الهاتفية التي جرت مؤخراً بين ولي العهد السعودي وأمير قطر مسألة معتادة في السلوك السياسي القطري.

الواضح أنه لا يمكن لقطر أن تعود إلى رشدها في ظل هذا التفكير العبثي، ومن يقرأ البيانين السعودي والقطري عقب المحادثة الهاتفية التي جرت يوم السبت التاسع من أكتوبر يكتشف بسهولة القصد القطري في ذلك الاتصال الذي أثارت قصته جدلًا يتعلق بمضمونه، فالتحريف القطري الذي برز في البيان الرسمي الذي بث عقب المكالمة يؤكد تماماً أن القصر الأميري بالدوحة لا يدار من قبل الحاكم بل من قبل عصابات تتنازع السلطة والنفوذ في السياسة القطرية، فقد سعي البيان الرسمي القطري إلى تعمد التحريف من أجل نسف جهود الوساطة التي تبذل على مستويات دولية عدة، وهو يدرك جيداً مدى حساسية موقف الدول الأربعة وتمسكها بتحقق أهداف إجراءات المقاطعة.

صياغة البيان الرسمي القطري الخاص بالمكالمة الهاتفية جاءت رديئة وكاشفة وفاضحة للتحريف، فليس منطقياً أن يطلب ولي العهد السعودي خلال المكالمة الهاتفية "تكليف مبعوثين من كل دولة لبحث الأمور الخلافية بما لا يتعارض مع سيادة الدول"، فالدول الأربعة لا ترى أن هناك أمور خلافية من الأساس، بل إن موقفها الرسمي قائم على أن هناك "مطالب" على

قطر الالتزام بتنفيذها من أجل انهاء الأزمة، ولو كان هناك تفاوض فسيكون حول آليات التنفيذ وضوابطه وليس حول أمور خلافية كما زعمت الوكالة القطرية في بيانها!

نسي أو تناسى من صاغ بيان الوكالة القطرية الرسمي أنه قبل هذه المكالمة بيومين أعلن أمير دولة الكويت أن قطر مستعدة للجلوس إلى طاولة التفاوض، وأن الكويت ضامنة لقطر في هذا الإطار، ما يعني أن قطر قد أبدت للوسطاء تخليها عن المكابرة والعناد وما كانت تعلنه من قبل من ادعاءات فارغة واتجهت إلى الجلوس للتفاوض، فكيف يصدق أي عاقل ما زعمه البيان القطري عن طلب من ولي العهد السعودي جلوس مبعوثين من الدول المعنية لمناقشة "الأمور الخلافية"؟

التحريف القطري في الإعلان عن مضمون المكالمة الهاتفية، استهدف أيضاً دق أسفين بين السعودية وبقية الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، فتعمد البيان حذف الفقرة الخاصة بتشاور المملكة مع مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وإعلان التفاصيل لاحقاً، وأشار إلى أن "أمير قطر وافق على طلب ولي العهد السعودي بتكليف مبعوثين من كل دولة لبحث الأمور الخلافية بما لا يتعارض مع سيادة الدول"، ورغم أن "الحل في الرياض" كما أعلنت الإمارات أكثر من مرة، فإن قطر لا تزال تحاول مراراً وتكراراً دق أسفين والرهان على بث الفرقة بين الدول الأربعة!

البيان القطري كاشف أيضاً لمسألة مهمة تتعلق بمن يدير دفة الحكم في قطر، فمن الوارد أن تكون هذه "الفبركة" جزء من تمثيلية لإفشال جهود الوساطة ولو من خلال إحراج الأمير وإظهاره بمظهر الكاذب المراوغ!

التوجه القطري في هذا الشأن يمثل عدم تقدير لجهود الوسطاء الدوليين، الذي بذلوا، ولا يزالون، الكثير من الجهد لإنهاء الأزمة من أجل فك عزلة قطر حفاظاً على مصالح شعبها، ولكن أمير قطر لا يزال يعطي أولوية قصوى لمصالح حلفائه سواء قادة تنظيمات الإرهاب، أو ملالي إيران، والأتراك، الذين يخشى غضبهم إن قرر العودة إلى الصف الخليجي!

جاء الرد السعودي على هذه العبثية صارماً وحاسماً ليعطي تميم ورفاقه درساً بليغاً في الجدية والارتقاء إلى مستوى المواقف والتحديات، ففي مثل هذه المواقف الحساسة توزن الأمور والكلمات بمعايير بالغة الدقة، ولا يصح التلاعب والتحريف في وقت يفترض فيه استعادة أجواء الثقة المطلوبة لبناء حوار جاد وفاعل بين الأطراف المعنية.

يمكن تفسير مراوغات قطر إلى حد ما في ضوء أنها في حقيقة الأمر قد وجدت نفسها وقد حشرت في الزاوية بين الدول الأربعة الداعية لمكافحة الإرهاب من ناحية، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أوضح موقفه بشكل أكثر دقة حين دعا قطر للالتزام بمقررات قمة الرياض العربية الإسلامية الأمريكية لمحاربة الإرهاب، ووقف تمويل الجماعات الإرهابية والعمل على محاربة الفكر المتطرف، إذ كيف يمكن لقطر أن تمضي في تنفيذ ما أعلنه البيت الأبيض في بيان رسمي قال فيه إن "الرئيس (ترامب) شدد على أهمية الوحدة بين شركاء الولايات المتحدة في الخليج في سبيل دعم استقرار المنطقة ومحاربة التهديد الإيراني"، وهذا يعني عملياً تخلي قطر عن الحليف الإيراني وإنهاء التقارب الصوري الذي تم بين الجانبين خلال الأشهر الماضية.