لا شكّ أن بعض الجديّة ظهرت في مباحثات القاهرة التي جرت مؤخرًا. حماس التي تعمل بشكل براغماتي غير مسبوق بتُ أعتقد أنها تهدف للوصول إلى نموذج حزب الله في لبنان. قيادة حماس الجديدة في القطاع تتمتع بقوة تنظيمية داخلية تسمح لها اتخاذ قرارات واجراءات لم تكن تخطر على البال يومًا. 

السنوار الذي اتخذ قرار الاتفاق مع محمد دحلان يستطيع الابتعاد "أكثر وأكثر" في براغماتيته وبُعد نظره.

ما الذي تهدف له حماس؟ (سيناريوهان)

* حماس قررت تسليم قطاع غزة كاملًا مع الحفاظ على بعض "المكتسبات"، لكن الأهم بالنسبة لها هو الحفاظ على جناحها المسلح فهي تعتبره حصان طروادة في حال أي تهديدات تعرضت لها داخلية كانت أم خارجية.

** حماس قررت حشر الرئيس أبو مازن وقيادة فتح في الزاوية وإحراجهم أمام مصر وستقوم بعرقلة تنفيذ الاتفاق بأي طريقة لتحافظ على حكمها للقطاع بالشراكة المشروطة مع حليفها الجديد محمد دحلان.

الناظم في الاقليم حاليًا، هو قانون الصفقة الكُبرى وحماس فهمت المعادلة القادمة جيدًا، وباعتقادي أن مصر أيقنت ذلك، وأبلغت حماس، بل ربما أطلعتها على التفاصيل. قطاع غزة يجب أن يكون ضمن الدولة الفلسطينية وإن لم يكن سيكون إقليما منكوبا تتداعى عليه كل الجهات لذا فإني أرجّح السيناريو الأول مع بعض الشد والجذب لكن الهدف النهائي سيكون الوصول إلى (حل) .

بماذا سترد السلطة – فتح والحكومة؟

لا شكّ أن الرئاسة– فتح والحكومة فوجئوا من إعلان حماس الموافقة الكاملة على مبادرة الرئيس، بل إن الإعلام الفلسطيني بلا استثناء لم يتعاط بالشكل المطلوب مع هذا "الحدث الاعلامي" الهام وكانت وسائل الاعلام المصرية أكثر تركيزًا على ما تم حتى ان قيادات في حركة فتح انتظروا عودة الوفد ليتمكنوا من الحديث للاعلام.

الحديثُ المتبع والذي تستخدمه حركتي فتح وحماس أن الحكومة ستتوجه للقطاع لتسلم مهامها ويدعوها الطرفين للذهاب لغزة لتتسلم القطاع وفق القانون. لكن مؤتمرًا صحفيًا عُقد من قبل موظفي ما بعد الانقسام أعاد شريط الذاكرة ليوم تشكيل حكومة الوفاق وضبابية تفاهمات الشاطيء بخصوص موظفي حماس. كلمة السر في المصالحة هي "الموظفين والأمن" وحتى تاريخه الجميع يستند إلى اتفاق القاهرة الذي فُسّر بطريقتين مختلفتين وتراشقت فتح وحماس الاتهامات حول (التفسير والملاحق) بعد تشكيل حكومة الوفاق.. فهل ستستمر هذه الضبابية؟

الضامن الوحيد لهذه التفاهمات هي "القاهرة" وما عدا ذلك من تفاصيل يُمكن التوصل لحلول لها طالما كانت مصر على رأس أي خلاف سيحدث بالتأكيد عند بدء التطبيق العملي للمصالحة.

المرحلة القادمة .

• ستبدأ الحكومة استلام قطاع غزة بالتدريج, فقد نجد وزيرًا أو مجموعة وزراء يتوجهوا للقطاع لتسلم مهامهم ووزاراتهم خلال الاسبوع القادم مع دعوة كل الموظفين القدامى للدوام. ان نجحت كان بها إن لم تنجح فاستدعاء "مصر" وارد.

• ان كانت النتيجة ناجحة فستتوجه كل الحكومة بوزرائها لتسلم مهامهم في القطاع استنادًا الى نجاح مجموعة من الوزراء في ذلك.

• ممارسة الوزراء لصلاحياتهم تتضمن السيادة الكاملة على الوزارة فقد يقوم وزير التربية والتعليم بتعديل بعض خطط العمل وقد يعمل وزير الحكم المحلي على اجراء المرحلة الثالثة من انتخابات الهيئات المحلية في قطاع غزة (وهي مُقرّة في 14 أكتوبر اي بعد اقل من شهر).

• تستدعي الحكومة اللجان الإدارية والقانونية التي شكلتها لتبدأ باستيعاب موظفي غزة ونستذكر هنا تصريح رئيس الوزراء الذي قال عبر التلفزيون الرسمي أنه لو تُرك المجال للحكومة للعمل في قطاع غزة لكانت قد انتهت مشكلة موظفي غزة (المدنيين). ستبدأ الحكومة بذلك وفقًا لاتفاق القاهرة في حال نجاح ما سبق. لن يكون هناك حلول سحرية فورية لمشكلة الموظفين، لكن الإبداع مطلوب خاصة مع عدم وجود ممول لضريبة إنهاء الانقسام.

• على التوازي سيكون هناك خطة لتسلم المعابر الفلسطينية مع خطط موضوعة ومتفق عليها لدمج موظفيها الحاليين والسابقين وستعمل ادارة المعابر على ذلك .

• حتى نهاية العام من المفترض أن يكون العمل الحكومي يسير بشكل (مقبول) في قطاع غزة، ومن المتوقع أن تنفذ الحكومة قرارها الذي أقرته يوم تشكيلها بأن يكون دوام الوزراء أسبوع في القطاع وآخر في الضفة. عند الوصول الى هذه المرحلة تبدأ مرحلة تشكيل اللجنة الامنية العليا التي ستكون برئاسة مصرية ومشاركة عربية لاعادة هيكلة أجهزة الامن وستبدأ في أجهزة امن غزة.

• على التوازي سيكون هناك استعدادات للمجلس الوطني، ومن المتوقع أن يكون المجلس قد دخل ضمن رزمة التفاهم الأخير في القاهرة، وهو ما يعني أن مصر ستجمع كل الفصائل الفلسطينية مع امكانية الاتفاق على "حصص" المجلس الوطني وعقده بشكل فوري وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة. 

• التسارع العملي في التسلم والتسليم يعني إمكانية الوصول إلى إجراءالانتخابات العامة في النصف الأول من العام القادم, إجراء الانتخابات دون ضامن (أخلاقي) يعني فشلها حتى لو نجحت عمليًا . لذلك فإن الآليات التي ستفرضها مصر وستتعامل بها حكومة الوفاق وفق القانون وستنفذها حماس وفق تلك التفاهمات فيُمكن القول أنها ستكون خارطة الطريق في العمل الفلسطيني الداخلي قبل وبعد إجراء الانتخابات.

لماذا التفاؤل؟

مصر العروبة التي إن قررت شيء لا بُد أن يحدث. نفضت غُبار بعض التدخل بشؤونها ومحاولات افشالها واستعادت قوتها فهي بالتوازي مع متابعة ملف المصالحة قررت انهاء المشكلة الليبية وتعمل في ذات الاتجاه مع سوريا وفي اليمن. هي مصر التي قررت بلا رجعة إنهاء الانقسام الفلسطيني مرة واحدة وإلى الأبد. ستنجح والأمل فيها وبها فقط.

أين دحلان؟

في الخلاف الداخلي لا يُمكن القفز عن دور محمد دحلان القيادي الفتحاوي السابق. دحلان الذي يتمتع بشعبية في قطاع غزة ولديه مؤسسات و(تنظيم) مُوازٍ اضافة الى علاقاته الاقليمية لا بُد أن يكون جزءًا من هذه (الصفقة). الصفقة تلك بدأت معه بالأساس وتركزّت -بعيدًا عن كل ما طارت به بوستات العالم الأزرق وأحلام البُسطاء- على حل مشكلة "الدم" والتي لم تكن لتُحل سوى بالطريقة التي تتم حاليًا . دحلان أيقن هو الآخر أن عودته لفتح أمر بعيد المنال في الخريطة الفتحاوية الحالية فبات يُصدر بيانات باسم التيار الاصلاحي الديمقراطي وباتت أطره الخاصة به تعمل تحت لوائه وتضم من غير الفتحاويين بالتالي فإن دحلان لا يُفكر سوى بالعودة الى البرلمان عبر الانتخابات فقط .. ولن يُفكر بغير ذلك.

القيادي الفتحاوي السابق سيستمر بنهجه الحالي، ولن يكون عقبة باتجاه تحقيق المصالحة بين الحركتين وكل مخططاته تتجه لكيفية تشكيل تيار (ثالث) ليكون بيضة القبّان في أي عملية انتخابية قادمة .. وقد يكون!

لن نُعطي التفاؤل قيمتها النهائية فقد اعتدنا على أن الشيطان يكمن بالتفاصيل والتفاصيل التي راكمتها سنوات الانقسام كثيرة ومتعددة ولا يُمكن أن يُحل بالضربة القاضية . المسيرة انطلقت والقطار بات على استعداد للانطلاق ومن سيُطلق صافرة الانطلاق هو الرئيس أبو مازن فور عودته من نيويورك. خط السير مُحدد وخارطة الطريق رُسمت والثقل الأكبر على المتابعة المصرية .. فقط مصر.