يمر العراق اليوم في أحلك فترة سياسية من تاريخه، إذا&لم يتجاوزها بأمان قد يسقط في مستنقع&لا أول له ولا آخر. طفح الكيل وبلغ السيل الزبى ووصلت معاناة اغلب العراقيين&وتورط بعض السياسيين في الفساد والإرهاب والجريمة المنظمة وهدر المال العام&إلى حد&لا يرضاهاي عراقي شريف وتجاوزت حدود المعقول.&

ومع ذلك فإن&بعض&السياسيين&والبرلمانيين مشغولون في تشريع قوانين خاصة بامتيازاتهم ولا احد يوقفهم&عند حدهم&بحجة أن البرلمان سلطة الشعب&مستغلين تشتت المواطنين وبالذات مثقفيه وغياب شخصية قيادية&كاريزمية&مؤثرة.

خرج&الشعب باحتجاجات كبيرة منذ العام&2011&&بسبب&الفقر والبطالة وسوء الإدارة وانعدام الخدمات والمحسوبية والمنسوبية&بالتعيينات، لكن&بدون جدوى ولم يتحسن الوضع، بل يتفاقم من سيء إلى أسوء مما يزيد احتمال حدوث احتجاجات عفوية قد تؤدي إلى إنفلات أمني خطير ويطيح بكل البنية التحتية والمؤسسات الموجودة حتى وإن شكلية.

وهنا قد يتم تحريض الجيش او تشجيعه للتدخل في الأمور السياسية ويدخل العراق في مرحلة جديدة من الإنقلابات&والإنقلابات المضادة&والحروب الأهلية&بين الميليشيات.&سيحصل هذا الأمر إن لم يتم كشف المستور وأخذ زمام الأمور من قبل الشعب بقيادة مثقفيه وحكمائه لدرء الأخطار ولكي لايتحول صراع الأضداد على السلطة إلى مسلح دموي. الحقيقة مرة لكننا يجب أن نواجهها بكل عقلانية ووعي ونوحد الجهود من أجل توحيد الكلمة من أجل التغيير الديمقراطي الحقيقي.

ما العمل إذن؟ وكيف يمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ أنا أعتقد أن العراقيين يجب أن ينظموا أنفسهم في جمعيات ومنظمات المجتمع المدني&الحقيقية&والإلتزام بالأساليب السلمية&ونبذ العنف ومنع اي مندس مخرب يسيء إلى سمعة المحتجين والمتظاهرين كي لا يكون ذريعة لتدخل رجال الأمن في المظاهرات.

يجب أن يكون كل تحرك جماهيري مُنظّماً على أعلى مستوى&التنظيم،وتوخي الحذر من تجييره من قبل الأحزاب&السياسية الحاكمة والمعارضة او السرية&لصالحها،&والتي تريد أن تدفع بالمتظاهرين نحو الثورة والعنف والتخريب واستفزاز رجال الأمن&وتتكلم بلغة إسقاط النظام.

أما المطالب فيجب صياغتها بشكل واضح وجيد ودقيق&والعمل على تحقيقها من خلال الضغط على المسؤولين&ورفعها الى الجهات المعنية على شكل نقاط بالتسلسل&مثل&منع&تعيين الأقارب وتفضيلهم على المواطنين العاديين،&لأهميته الكبيرة لأن الطبقة السياسية العراقية اليوم تتكون من عائلات&كبيرة وكثيرة&جداً&كالمافيات&من كل الطوائف والقوميات&متعطشة للمال والجاه&وأصبحت معروفة في استحواذ&أبنائها&على الوظائف العليا بدءاً&من البرلمان مروراً&بالوزارات&والهيئات ومجالس المدن&والمدراء العاميين&والإعلام الحكومي.&

ولهذا يجب سن قانون&واضح&يمنع تعيين&الأبناء والأقارب في المناصب العليا&مثل رئاسات الجمهورية الثلاث والوزارات والسفارات وغيرها،&وايقاف امتيازات المسؤولين والبرلمانيين وتقاعدهم، من&غير المقبول أن يتمتع هؤلاء&برواتب ضخمة لمجرد أنهم&"خدموا"&اربع سنوات في البرلمان او رئاسة الجمهورية، ولهذا يجب&تعديل الرواتب بحيث يتناسب&مع الواقع العراقي&والمواطنين العراقيين الآخرين. ويجب ان تطرح مثل هذه القوانين التي تخص امتيازات البرلمانيين&والرئاسات وعدد نواب البرلمان&على الشعب في&استفتاءات شعبية.

في المقابل يجب سن قانون يُمنح بموجبه تقاعد عراقي عام لكل مواطن يبلغ الستين من عمره يُحدد حسب دخله&كما هو معمول به في بعض الدول الأوروبية ويمنع منعا باتا تشغيل الأطفال وإساءة إستخدامهم في التسول.&

أغلب المواطنين&العراقيين&اليوم لا يثق بوعود السياسيين ولا يؤمن اصلاً بالبرلمان&الحالي ولا يرى أي ضرورة لهذا العدد الكبير من أعضائه،&ويسخر منهم ومن&نشاطهم&بل مستوياتهم الثقافية وقدراتهم وإمكانياتهم،&لاسيما وان نسبة منهم&مزورون ووصوليون يبحثون عن منافعهم الشخصية، ولهذا يجب تقليص اعدادهم و عدم دفع مخصصات حماية.&

لكن على العراقيين أن يدركوا أن الإحتجاحات لا تتم بالضجيج والصراخ والأصوات العالية والكلام&والنوادر ورسائل التواصل الإجتماعيوالواتساب، بل بالتنظيم والتنسيق والعمل الهادىء، وظهور شخصيات&قيادية&متفانية معروفة&بالكفاءة والصدق ونكران الذات من كل الأجيال&وعدم إنتمائها إلى أى احزاب مشبوهة،&وقد يبدو هذا الأمر&صعباً&لكنه ليس مستحيلاً.&

وعلى الرغم من ان المجتمع العراقي عشائري ومع احترامي لتقاليدنا العشائرية&والمرجعيات الدينية،&لكن لا يجب ان&يقود الإحتجاجات&شيوخ يفكرون بمصالحهم الشخصية،&بل&يساندوها&ويدعمون&منظمات المجتمع المدني الحقيقية المؤسسة من قبل المواطنين انفسهم&وبدعم&خاص&من فئة المثقفين&المناضلين،&وليس المزورة لكي تحافظ المظاهرات على مدنيتها ومطلبيتها وسلميتها وعراقيتها وابتعادها عن الطائفية والمناطقية والعشائرية وهذا هو صمام الأمام في عدم ارتباطها بالدول الأقليمية أيا كانت،&وبالتالي ضمان ان يكون قرارها عراقيا والنأي عن الخوض في حروب واتفاقات تخدم مصالح الدول الأخرى.&

ظاهرة الفساد هذه ليس خاصة بالعرب في الجنوب أو الوسط&أوالمنطقة الغربية ولا كُردستان بل ظاهرة عراقية بامتياز، لدينا فاسدون مسلمون وغير مسلمين&ومن كل الطوائف، عرب وكُرد وتُركمان،&الفساد والإرهاب عابران للطوائف والأعراق العراقية&ولهذا&ليس للعراقيين&غير ان&يتوحدوا في حركات احتجاجية سلمية من الشمال الى الجنوب،&لكي&يكون&بلدهم&موحدا ومستقلا وقويا&لا يتدخل بشؤون دول الجوار ولا يسمح لها&في الوقت نفسه&بالتدخل في قضاياه المصيرية.

العراقيون معروفون بقدراتهم وذكائهم وصدقهم وإخلاصهم لوطنهم،وطرائفهم ونكاتهم الشعبية الثقافية ولهجاتهم ولغاتهم&ولهذا يتندرون&من هؤلاء المسؤولين الفاسدين&ويسخرون من&أسلوب حياتهم&المتعالي&وبذخهم وتبذيرهم&أموال الشعب، لكنهم اليوم بأمس الحاجة أكثر من اي وقت مضى لتوحيد&أنفسهم ضمن جمعيات ومنظمات وتنسيقيات مدنية غير حكومية عابرة للأحزاب والإعتقادات الدينية والمذهبية&والطائفية&والعرقية من أجل تحقيق مطالبهم وإنقاذ العراق من أكبر أزمة يمر بها.

وبهذا يضمن&العراق&حقوق مواطنيه ويسير بهم نحو بر الأمان والرفاهية، وعندما يتنفس العراقيون الصعداء لفترة من الزمن حيث ينعمون بالإستقرارعندها سيكونون قادرين على التفكير بشكل حر وعقلاني عن شكل النظام وطبيعة الدولة العراقية الجديدة ودستور يضمن لهم العيش مع الآخر بسلام ومدنية ليبرالية وبدون اي تمييز.