مع دخول المملكة العربية السعودية عهد الإصلاحات والتطوير واعتماد جملة استراتيجيات جديدة داخليا وخارجيا فان التعاطي الانفتاحي مع العراق ومحاولة بناء جسور علاقة استراتيجية معه بات ضرورة ملحة لبلورة سياسة سعودية تأخذ في الاعتبار الوزن الاستراتيجي للمملكة على صعيد العالمين العربي والإسلامي وكذا في معادلات المصالح الدولية والطاقة والأهمية الجيوبوليتيكية وهنا فان شروع الرياض في اعتماد مقاربة تواصلية مع مختلف المكونات والشعوب العراقية وفِي مقدمها الكرد يشكل الخطوة الأهم في سياق التأسيس لعلاقات تفاعلية بين السعودية والعراق بما هما من كبريات دول الخليج والمنطقة عامة.

&فالمكانة التي تحظى بها السعودية لاعتبارات دينية وتاريخية وثقافية لدى الكرد وخاصة على خلفية دعمها الانتفاضة الشعبية الكردية مطالع تسعينات القرن الفائت على نظام صدام حسين والتي أثمرت التجربة الديمقراطية الفيدرالية في كردستان العراق تؤهلها للعب دور أكبر في الدفع بعملية التشارك العربي - الكردي في العراق وحلحلة الملفات الخلافية العالقة بين المركز والإقليم سيما اذا ما ترافقت مع انفتاح سعودي على اقليم كردستان ككل خاصة ما تعرف بالمنطقة الخضراء التي ثمة انطباع نمطي خاطىء ومغرض عنها مفاده أنها منطقة نفوذ إيراني ما يستدعي العمل أكثر على استقطابها والانفتاح عليها والحال هذه.

واقع الأمر أن الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يدير تلك المنطقة لديه سياسة وسطية متوازنة في مقارباتها الداخلية والإقليمية تأخذ في الاعتبار الأدوار والحساسيات السعودية ولا شك ان مبادرة السعودية الى مد جسور العلاقات مع هذا الجزء المهم من كردستان والعراق ككل سيسهم في تعضيد الدور العربي الوازن في بلاد الرافدين ورأس حربة ذاك الدور هو ولا شك الدور السعودي في مواجهة السياسات التوسعية والهيمنية لكل من طهران وأنقرة حيال العراق والخليج وتاليا العالم العربي ككل فَلَو أن الرياض أهتمت بقدر حرصها على دورها في لبنان مثلا بدورها العراقي لكان بامكانها تطوير معادلة طردية توازن وتراكم عوائد ومردود سياستيها اللبنانية والعراقية وضمن سلة وتوليفة متناغمة.

فالتصدي للهيمنة الايرانية يكون عبر البوابة العراقية بالدرجة الأولى والرياض لديها أوراق قوة وعوامل تأثير مهمة في العراق لا زالت غير مستخدمة وغير موظفة وفِي مقدمها ورقة تأسيس علاقات تفاعلية مع كردستان ولعل افتتاح قنصلية سعودية في الإقليم خطوة مهمة في هذا المضمار لكن لا بد من توسيعها وإرفاقها بحزمة سياسات وبرامج تعاون شامل مع مراعاة واقع توازن القوى في الإقليم ووجود ما يمكن تسميته منطقتي نفوذ كي لا نقول ادارتين ما يستدعي من الرياض الانفتاح على مناطق السليمانية وحلبجة وكركوك وهي المحافظات الثلاث التي تعد بمثابة معاقل الاتحاد الوطني الكردستاني والتي تستقبل مئات آلاف العرب العراقيين سيما السنة منهم ان بشكل دائم أو مؤقت أضف الى ذلك أن تحقيق نوع من التوازن والتفاهم بين المكونين الشيعي والسني في العراق وتاليا في المنطقة يقتضي بداهة الانفتاح على الكرد وتكريس مناخات التعاون والتكامل معهم من قبل الرياض.

فالمطلوب الشروع في فتح آفاق حوار وتعاون متعدد المجالات وبما ينعكس ايجابا على مصالح الطرفين وعلى تعزيز الأمن والاستقرار في الخليج والشرق الأوسط ككل.

كاتب كردي عراقي