في خطوة لها علاقة وثيقة بما تشهده مدن إيران وشوارعها في الأسابيع الأخيرة من تظاهرات واحتجاجات، قررت السلطات الإيرانية حظر تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية، واصفة إياه بـ"الغزو الثقافي". برر وزير التعليم الإيراني هذه الخطوة الغريبة بأن الهدف المرجو من وراء هذه الخطوة هو "تعزيز مهارات اللغة الفارسية والثقافة الاسلامية الإيرانية للتلاميذ في المرحلة الابتدائية"!

القلق من تدريس اللغة الإنجليزية يجتاح ملالي إيران منذ سنوات مضت، حيث سبق أن اعرب المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي عن قلقه إزاء تدريس اللغة الإنجليزية، وكان ذلك تعليقاً على الانتشار الملحوظ لتعليم اللغة الإنجليزية بين أفراد الشعب الإيراني، شأنهم في ذلك شأن معظم شعوب العالم، الساعية إلى الانخراط في موجة العولمة والاستفادة مما تتيحه من فرص ليست للانفتاح على ثقافات العالم فقط، بل أيضاً للحصول على فرص عمل في الشركات عابرة القارات، التي باتت توفر ملايين فرص العمل وفق نظام "التعهيد" أو Outsourcing، وهذة النافذة الجديدة باتت احد أعمدة الاقتصاد الجديد عالمياً؛ وبالتالي فإن الملالي لا يكتفون بإغداق أموال الشعب الإيراني على الإرهاب والإرهابيين وانفاقها في تمويل تنفيذ أحلامهم التوسعية، بل يغلقون أبواب الأمل تماماً في وجه الشباب الإيراني. 

وبدلاً من مكافحة فساد الحرس الثوري المسيطر على الاقتصاد الإيراني وميلشيات التجارة في إيران، لجأ الملالي إلى مكافحة التعليم خوفاً من ان يؤدي الانفتاح على العالم إلى مزيد من الوعي وبالتالي موجات غضب ثورية متلاحقة ضد نظام حكمهم البائس!!

كان خامنئي قد قال أيضاً أن تعليم اللغة الإنجليزية ما هو "إلا جزءً من فكرة غربية لترسخ الفكر والثقافة الغربية لدى الأجيال الناشئة في باقي الدول"، وأن "هذه التصريحات لا تعني إنهاء تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس، ولكن القضية الرئيسية هي أن نفهم عدونا، وكيف أن خصمنا قد خطط بدقة شديدة للتأثير على أجيال المستقبل في بلادنا". والمؤكد أن الاحتجاجات الأخيرة التي عكست المقدرة الهائلة للشباب الإيراني على اختراق قيود وحواجز الحجب والرقابة الرسمية على الانترنت. قد عجلت بصدر هذا القرار، ولاسيما أن خامنئي قد القى باللوم على من أسماهم بـ"أعداء خارجيين" في حدوث التظاهرات ولم يشر إلى مظاهر الفساد والفشل التنموي، الذي سبق أن أشار إليه بنفسه في مناسبات سابقة!

يشعر الملالي بالقلق بشكل خاص من اللغة الإنجليزية، ولا يشعرون بخوف مماثل حيال لغات أخرى، وهذا الأمر يفسر سر هذا الخوف لأن الهوس بالخوف على الثقافة والهوية كان يفترض أن يدفعهم لحظر تدريس اللغات الأجنبية كافة، ولكن هذا الأمر لم يحدث، وبالتالي فإن الهدف هو حظر التفاعل باللغة الأكثر انتشاراً عالمياً عبر الانترنت!

الانترنت في إيران وغيرها من الديكتاتوريات يمثل مصدر ازعاج خطير، لذلك لجأت مثل هذه الأنظمة إلى حجب الانترنت، وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي، وذهبت إيران إلى بناء شبكة انترنت وطنية خاصة بها، حيث أعلنت إيران الانتهاء من أعمال المرحلة الأولى من خطتها الرامية إلى تشغيل شبكة "إنترنت وطنية" خاصة بها بهدف تشديد الرقابة على المحتوى المتداول عبر الانترنت، وتفادي مساحات الحرية الكبيرة، التي تتيحها مواقع التواصل العالمية، التي تحجبها إيران من الأساس، ولكن مئات الآلاف من الشباب الإيراني يخترقون الحجب الرسمي عبر مواقع وشبكات افتراضية للدخول إلى المواقع التي يريدونها!

المنظمات الدولية المعنية بالحريات اعتبرت أن المحاولات الإيرانية تمهد السبيل نحو مزيد من الانعزال والمراقبة وحجب المعلومات، وهذا ما حدث بالفعل خلال أيام التظاهرات التي جرت مؤخراً، حيث فشل العالم في التعرف على ما يدور داخل إيران بشفافية، وغابت حقيقة الأحداث ولم يتعرف العالم سوى على مشاهد مبتورة أو لقطات فيديو معزولة يتم تسريبها عبر مواقع الانترنت.

خوف الملالي من الانفتاح على العالم دفعهم لحجب حتى الألعاب المتداولة عبر الانترنت اعتقاداً منهم بأنها تندرج ضمن "الغزو الثقافي"، حيث كانت إيران هي الدولة الوحيدة التي حظرت بعض ألعاب الانترنت بشكل رسمي، ولم تكتف برصد المخاوف الأمنية والشكوك المحيطة بها وتحليل هذه المخاوف للتأكد من مدى جديتها كما فعلت دول أخرى.

الخوف الأساسي لدى الملالي، باعتقادي، ليس من اللغة، التي هي الوعاء الناقل للأفكار، بل من وسيلة تناقل هذه الأفكار، وهي الانترنت، والغريب ان الحظر الإيراني ينطبق فقط على المدارس الرسمية، ولا يسري على المدارس الخاصة التي تعلم اللغة الإنجليزية بشكل مستقل عن المنظومة التعليمي، والتي تضم أبناء الطبقات الثرية في المجتمع الإيراني، وهم غالباً أبناء قادة ومسؤولي النظام بمستوياتهم المختلفة من أعلى هرم السلطة إلى أدناها، وبالتالي فإن المستهدف أيضاً هم أبناء الفقراء والطبقة المتوسطة الذين لا يريد لهم الملالي مستويات تعليمية تؤهلهم للتفاعل مع العالم.

لايدرك الملالي أن المسافات لم تعد تقاس بالجغرافياً، بل بالانخراط في موجات العولمة، والتفاعل مع ثورة المعلومات والاتصالات وتطبيقاتها وموجاتها المتلاحقة وتأثيراتها المتغيرة في الاقتصاد والتجارة والتعليم والثقافة وغير ذلك، وبالتالي يعزلون ملايين الإيرانيين عن العالم من حولهم خوفاً من الأشباح وبدعوى الحفاظ على "الثقافة الإسلامية الإيرانية"