النموذج الإيراني لا يحتاج لكثير من الحديث، يكفي العودة للدستور الإيراني، حتى نعرف اننا امام حالة من الحكم الطائفي، تمييزي واضح ضد كل ما هو ليس شيعيا. نموذج مدستر من الشيعية السياسية الواضحة. لان المرشد حكما يجب ان يكون فقيها شيعيا. الالتباس في الحديث يتم في النموذج السوري من الطائفية السياسية. وصلاحيات المرشد المدسترة تفوق صلاحيات أي ديكتاتور، يمكن العودة للمواد109من الدستور الايراني وما بعدها. الدستور الإيراني مستمد وله عنوان واحد هو نظرية ولاية الفقيه. الفقيه المقدس، هو تمييز طائفي وديني، لا بل تنضيد من التمييزات. هكذا هو الدستور الإيراني المستمد منها. لهذا فعليا لاشبيه لدولة ايران في العالم.
كما انه لنقاش الوضع في ايران او في سورية مثلا، هل نحتاج فعلا للعودة للتاريخ في كل مرة نريد الحديث فيها عن المعاصر والراهن؟ 45 عاما وعصابة الاسد تحكم سورية بالحديد والنار، اربعة عقود ونصف كانت كفيلة ببناء دولة كألمانيا التي خرجت مدمرة من الحرب العالمية الثانية، وكانت كفيلة أيضا ان ينشأ خلالها نظام دولي وينتهي، ليبدأ نظام دولي جديد، فما بالنا ببلد تسلمه الاسد بانقلاب، بلد كان تعداد سكانه لايتجاوز السبعة ملايين نسمة 1970. التطييفهو اللعب السياسي، واستخدام التمايزات الطبيعية للسكان في كل مجتمع، من أجل الحفاظ على السلطة أو الوصول إليها. نادرة هي المجتمعات في العالم التي لاتحوي تمايزات اثنية او طائفية أو دينية. طبيعية لأنها موجودة ومتعايشة قبل السلطة أي سلطة تستخدمها، ولولا هذا الوجود الموضوعي لاستخدمت تلك السلطات وسائل أخرى، غير التطييف.النظم الديكتاتورية هي نتاج حديث ومعاصر، لأن الدولة بواقعها الراهن، هي نتاج حديث ومعاصر. لهذا الحديث عن دولة الاستبداد الشرقي، حديث لم يعد له مبرر، سوى اتهام الشعوب في الشرق، أنها تحب الاستبداد وتتعايش معه منذ قدم التاريخ. حيث يصبح أي حاكم قديم منذ ألف سنة،يشبه أي حاكم الآن في شعوب الشرق. هذه التقليعة التي انتجها الاستشراق معطوفا على ماركسية نمط الانتاج الآسيوي، تجعل وجعلت من شعوبنا مجرد تعبير عن همجية موصوفة، يلجمها حاكم مسكين عينه النظام الدولي، وهذا الحاكم مسكين في تحمله تمردات همجية لهذه الشعوب أيضا. لهذا يبرر له النظام الدولي قتلها بدم بارد. الأسد ونظامه نموذج حي وشغال بدم السوريين منذ انطلاق الثورة السورية آذار2011. استخدم كل انواع الاسلحة، ضد الشعب السوري ما عدا السلاح النووي لأنه ليس بحوزته. منذ عام 1970 وحتى اللحظة، نفس الاوراق والادوات التي استخدمها نظام الاسد الاب والوريث مع الشعب السوري،منها القمع بوسائل حديثة، مع كل ما يلزم ذلك من بناء اجهزة استخبارات حتى بات في سورية أكبر آلة قمع،عرفها تاريخ المنطقة. توتير اجواء المنطقة لكي يبقى الداخل منقبضا على ذاته في قوقعة القمع هذه. تصدير الارهاب إلى كل دول المنطقة تحت مسميات شتى. زبائنية واضحة في تعامله مع كل هذه الملفات، لهذا تجد عناوين كثيرة حول تعامل اجهزة الاستخبارات في العالم مع نظام الاسد. ادوات كثيرة كما قلنا لكن كان اخطرها الورقة الطائفية. التطييف بوصفه فاعل سياسي، كان عماد هذا النظام حتى قبل انقلابه المعروف 1970، عندما كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع. كان يدرك ما يفعل بالتطييف السياسي، لأنه كان كما قلنا نواة مشروعه. فاستخدم التمايزات الموضوعية بين مكونات الشعب السوري، من أجل تنضيد دوائر الموالاة حوله كزعيم اوحد وحيد وللابد. حيث تحول اسمه إلى سلطة، كأن تقول في سورية" حافظ الأسد" رغم مرور 11 عاما على وفاته لحظة انطلاق الثورة السورية مثلا، تتحلل مفاصلك خوفا! عندما يحل الأسم محل صاحبه، نكون قد وصلنا إلى ذروة السلطة مشخصنة، الاسم استبدل الدولة بسلطته واستبدل السلطة بشخصه، ولشخصه أسم تتراكم في لفظه-قائد الامة مثلا- مجرد لفظه الدلالات المرعبة، المحملة بذاكرة الجريمة، ويصبح التعرض لها أو للأسم بشكل أدق، هو خيانة عظمى. اخرج الطائفة العلوية من النسيج الاجتماعي السوري ووضعها بمواجهة المجتمع، مستخدما شبابها في انتاج آلة القمع. ساعدته إيران لاحقا بعد ولي فقيهها 1979ونجاحه في الوصول للسلطة في طهران. لعب على الورقة الكردية تركيا قوميا وطائفيا، حيث حاول أخيه جميل الاسد متابعة ملف ما يسمى عند الاسد العلويين الاكراد في تركيا. من اجل ابتزاز السياسة التركية منذ عام 1984. التي تتهرب من حل ديمقراطي ناجع للمسألة الكردية. هذا التطييفواستخدامه لم يعد موضع خلاف بين كل الباحثين في نظام الاسد، لكن هنالك موجة من الكتاب والباحثيين لتبرير جرائم النظام واستخدامه للتطييف كفاعل سياسي، يحاولون ارجاعه بشكل استشراقي مزيف، إلى التاريخ وتبدأ معاولهم الايديولوجية والمعرفية!* بالبحث عن اسس قديمة للطائفية من أجل سرد مظلوميات مشكوك في حقيقتها من جهة، ومن جهة أخرى لتبرير سلوك النظام. هل نحتاج فعلا لمعرفة استخدام نظام الاسد للتطييف كفاعل سياسي في تاريخ سورية المعاصر، أن نعود لظهور الاسلام، أو لفترة تاريخ الحكم العثماني في المنطقة؟ اعتقد كما قلت أن الغاية هي نقل الحاضر وحشره في الماضي كاستمرار له، مع أن النظام الدولي الذي اسسته الحضارة البرجوازية، قد نبش كل القبور وعراها. التطييف كأداة جرمية، هو نتاج هذا الزمن الاسدي في سورية. لكن الاوضح من كل هذا أن الديكتاتوريات المعاصرة، والتي هي نتاج هذا النظام الدولي المعاصر، حتى لو لم يكن لديها امكانية لاستخدام التطييفالسياسي لكانت ابدعت في استخدام غيره. العشائرية عند القذافي نموذجا. من المفيد هنا العودة لما طرحه الدكتور صادق جلال العظم عن"العلوية السياسية"، واثار جدلا حوله. بالضد من مفهوم العظم، نحن نتحدث عن طائفية سياسية. القول ان هنالك علوية سياسية، يعني اننا امام حالة مدسترة، غير موجودة في سورية، الدستور لاينص على ان يكون الرئيس علوي. من جهة أخرى ليست الطائفة العلوية تحدد من هو الحاكم، لو كانت الطائفة هي من تحدد الحاكم، لكان يمكننا الحديث عن علوية سياسية. لا يوجد مراكز قوى داخل الطائفة تتنافس من اجل موقع الحاكم،كما هو الحال فيما سمي" المارونية السياسية" حيث تاريخيا هنالك تعددية سياسية داخل الموارنة، تخضع لصراع سياسي داخل الطائفة، كي تنتج رئيسا على مستوى لبنان، مكرس دستوريا انتمائه للطائفة المارونية. الأسد هو حاكم مطلق على سورية وعلى الطائفة ذاتها، هو بسلطته الأحادية، من ادخلها حيز الاستخدام التطييفي،وليس هي من انتخبته. لم تنتجته مراكز قوى متنافسة او متصارعة داخل الطائفة العلوية. لهذا لا يصح القول عن"علوية سياسية" حاكمة في سورية. هل تستطيع الطائفة استبدال الأسد؟ عندما يكون لدى الطائفة مثل هذه المؤهلات، يمكننا الحديث عن" علوية سياسية". من جهة أخرى هنالك من يتحدث عن مجلس ملي علوي حاكم، هذا الكلام غير صحيح بالقطع، الأسد هو المجلس الملي ليس في الطائفة العلوية وحسب بل في كل الطوائف والمكونات السورية. لهذا لا خلاص للسوريين الا بالخلاص من الاسدية.