المسألة الكردية في الشرق الأوسط تتفاعل مع الواقع السياسي والأمني غير المستقر في محيطها؛ حيث يسعى الأكراد بشكل عام إلى المحافظة على هويتهم وحقوقهم الكردية ويبقى حلم الدولة الكردية المستقلة حاضرًا في أدبيات الذاكرة السياسية الكردية. المعطيات تشير إلى أن الشعوب الكردية في بلدانها سوف تسعى إلى المطالبة بأشكال مختلفة للحكم الذاتي اللامركزي خصوصًا في سوريا وتركيا وإيران بينما تسعى الأحزاب الكردية في العراق إلى المحافظة على حكمها الذاتي بشكله الحالي وتعزيز مكتسباتها السياسية والاقتصادية ضمن عراق اتحادي&.

أخيرًا، تشير المعطيات إلى أن المفاوضات السياسية على إعادة تعريف العلاقة بين الإقليم والمركز في بغداد بدأت خلف أبواب مغلقة. هدف بغداد هو إعادة الإقليم تحت سلطة المركز من دون منحه صلاحيات أكبر من التي يتمتع بها حاليًّا، بينما تسعى حكومة إقليم كردستان العراق إلى تعزيز صلاحياتها خصوصًا في جوانب استثمار وتصدير وإدارة عائدات الثروات الطبيعية مثل النفط والغاز والمطالبة بمشاركة بعض الصلاحيات السيادية مع بغداد. لدى بغداد أوراق ترغيب وترهيب تتفاوض بها ولدى حكومة الإقليم أوراق مشابهة، منها: دعم الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة العراقية القادمة والمشاركة في دعم مرشح الكتلة الأكبر لمنصب رئيس الوزراء. جميع الدلائل تشير إلى أن الأزمة بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق تتجه إلى مفاوضات سياسية للاتفاق على إعادة تعريف العلاقة بين الإقليم والمركز والاتفاق على تنظيم العلاقة بين حكومة العراق المركزية وحكومة إقليم كردستان لاسيما فيما يخص استكشاف واستغلال وبيع وإدارة عائدات الموارد الطبيعية. هناك ثلاثة عوامل أساسية تؤثر بشكل مباشر على سير ونتائج هذه المفاوضات: أولًا: ضغط الفاعل الدولي (الولايات المتحدة وحلفائها) على طرفي المفاوضات في بغداد وأربيل. ثانيًا: مدى تماسك الجبهة السياسية الداخلية الكردية خصوصًا بعد التشظي الذي أصابها قبيل وبعد انتخابات العراق التي أُجريت في 12 مايو/أيار 2018. ثالثًا: مدى استعداد الفاعل الشيعي السياسي لتقديم تنازلات سياسية واقتصادية لحكومة إقليم كردستان مقابل الحصول على الدعم الكردي لتشكيل الكتلة الأكبر وتسمية رئيس الوزراء القادم.

لا يمكن فصل الحركة القومية الكردية عن سياق ثورات التحرر الشعبية في المشرق، فجميعها رغم اختلافها الظاهري اعتراض على طريقة تشكُّل الدولة الحديثة العربية التي اصطدمت مع المجتمعات المحلية وسلبتها حقها الطبيعي في التعبير عن نفسها. وإذ تعبر الحركات الكردية عن مطالب قومية وثقافية محددة فإنها في جوهرها تعبير عن الظلم الذي تجرعته كافة شعوب وأمم المنطقة.

لا تخلو الحركة القومية الكردية ومطالبها بالانفصال في العراق من العامل الاقتصادي، ولكنه ليس المبرر الرئيس الذي قدمته قادة الحركة لمناصريها للمضي قدمًا في الاستقلال. يُنتج إقليم كردستان العراق نحو 500 ألف برميل نفط يوميًّا، ويمثِّل إنتاج الإقليم 15 في المئة من إجمالي الإنتاج العراقي ونحو 0.7 في المئة من إنتاج النفط العالمي. وتطمح حكومة إقليم كردستان إلى إنتاج ما يربو على مليون برميل نفط يوميًّا بحلول عام 2020. ولقد نتجت أزمة سياسية حادة بين أربيل وبغداد، عام 2007، عندما فشل الطرفان في التوصل إلى قانون مشترك حول حق التنقيب والإنتاج وتوزيع العائدات على الصعيد الوطني& ويمكن حصر الخلاف في نقطتين &

أولًا: ترى الحكومة الاتحادية في بغداد وجوب حصر صلاحيات تطوير الحقول النفطية وعمليات التسويق والتصدير بيد وزارة النفط الاتحادية استنادًا للقوانين النافذة بموجب المادة 130 من الدستور العراقي، في حين ترى حكومة إقليم كردستان أن للإقليم حقَّ تطوير الحقول وتسويق النفط والغاز دون العودة إلى الحكومة الاتحادية وذلك استنادًا لقانون 22 من سنة 2007 الذي شرعه الإقليم. وتعتبر الحكومة الاتحادية قانون 22 غير دستوري لتعارضه مع معطيات المادة 112 من الدستور العراقي والتي توجب إدارة الملف النفطي اتحاديًّا بمشاركة الأقاليم والمحافظات المنتجة مع الحكومة الاتحادية وبعد أن يتم تشريع قانون النفط الاتحادي&.

ثانيًا: ترى بغداد بحسب القوانين النافذة أن جميع الواردات يجب أن تُودع في الخزينة الاتحادية ثم توزع بحسب تخصيصات الموازنة الاتحادية، كما يجب إيداع الواردات الناتجة عن تصدير النفط والغاز في صندوق تنمية العراق في نيويورك لتُقتطع منه التعويضات المتعلقة بغزو النظام السابق للكويت بمقدار 5% قبل أن تصل المدخولات إلى الخزينة الاتحادية في العراق. وهذا ما رفضته أربيل مطالِبة بوضع حساب خاص في تركيا يكون تحت سيطرتها لاقتطاع كلف الإنتاج وأرباح الشركات يتبعها اقتطاع حصة الإقليم المقدرة بـ 17% قبل أن تصل المبالغ المتبقية إلى وزارة المالية الاتحادية.

يؤخذ على الحركة القومية الكردية، تركيزها على تسويق المظلومية الكردية في تأليب الشارع وشحذ همته على الانتفاض، ولقد أثارت في معرض سعيها لزيادة مناصريها على الصعيد الدولي حفيظة المكونات المحلية الأخرى التي أضحت في دور المدافع عن الأرض ووحدة البلاد. لم ينجح الكرد في معالجة هواجس شعوب المنطقة، التي ترى &أن المزيد من التجزئة يتركها فريسة أسهل للتدخلات الأجنبية ويضعف جبهتها الداخلية في الصراع مع إسرائيل بل أسهم سلوك قيادات الحركة القومية الكردية في تعزيز السردية المضادة وفي تصوير الكرد كأداة مطواعة لتنفيذ مخططات تآمرية. لقد فشلت النخبة الكردية في دمج مشروعها السياسي في مشروع إقليمي عابر للحدود، كما تعمدت الصمت حول قضايا الأمة الإسلامية والعربية المركزية، مما أفقدها دعم الجوار والدعم الشعبي اللازم لنجاعة مشروعها القومي. وفضل قادة الحراك الكردي الانغلاق على أنفسهم وزيادة عزلتهم الإقليمية.

&

تاريخيا انتفض كرد العراق عام 1909 غير ان الحكومة العثمانية، شنَّت حملة عسكرية على مناطق نفوذ الحركة في بارزان واعتقلت الشيخ عبد السلام البارزاني ورفاقه، ثم أعدمتهم عام 1914.&لكن حركة التمرد استمرت إلى أن بدأ تطبيق اتفاقية سايكس بيكو فتأسست المملكة العراقية من ولايتي بغداد والبصره&

وبعد مفاوضات عديدة بين البريطانيين والفرنسيين والأتراك والكرد اتفقوا على إجراء استفتاء حول تبعية الموصل، وكانت نتيجة التصويت لصالح الانضمام وبذلك مَنَحَ الكرد الهوية العراقية لولاية الموصل،&

وخلال العهد الملكي لم تكن علاقة بغداد مع ما كان يسمى شمال العراق جيدة ولا مستقرة وخلال تلك الفترة كان الملا مصطفى البارزاني يعيش في روسيا بعد انهيار جمهورية مها باد التي كان وزير دفاعها لكنه وبعد ثورة 1958 وإعلان العراق جمهورية عاد إلى بغداد على أمل أن العهد الجديد سيضع حلولًا جذرية للمسألة الكردية، ولم تمض إلا سنوات قليلة حتى عادت بغداد لممارسة سياسات الاختراق والاحتواء والحل العسكري وبدأت مرحلة جديدة اتسمت بالتهميش والإقصاء والاضطهاد، ما قاد الى ثورة 1961 في كردستان بقيادة البارزاني، وتمخضت عن اتفاقية 1970 بين الحكومة المركزية في بغداد وحركة التحرر الكردية، حيث اعترفت لأول مرة بحق الكرد بالحكم الذاتي سياسيًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا، لكن حكومة البعث فرضت قانوناً من طرف واحد للحكم الذاتي رفضته قيادة الحركة الكردية، فاندلعت الحرب بين الطرفين، والتي انتهت بعد عام واحد لصالح بغداد وبعد ضغوط من قبل الولايات المتحدة وإيران.&وهنا&بدأت بغداد اعتماد سياسة تمزيق البيت الكردي من خلال استمالة وإغراء أشخاص على خلفية صراعات قبلية أو سياسية مع قادة حركة التحرر الكردية، وواستنبطت ميليشيات يقودها شيخ القبيلة& ويطلق عليها الأهالي الجحوش.&وتم تأسيس أحزاب كردية في دوائر المخابرات العراقية على أنها تمثِّل طموحات شعب كردستان، وبالرغم من كل هذا واصلت القيادة الكردية محاولاتها لبناء دولة الشراكة وفاوضت صدام &وتخلت عن امتيازاتها التي وفرتها الأمم المتحدة ومجلس أمنها في الملاذ الآمن عام 1991، وذهبت إلى بغداد بعد أيام من سقوط صدام لتؤسس مع الشركاء الآخرين دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتُنشئ دولة مواطنة تحت سقف دستور شارك في كتابته الجميع، لكن الأمور اختلفت حينما أصبحوا في السلطة فأرسلوا دباباتهم عام 2008 مهددين كردستان بالاجتياح من خلال قوات أُعِدَّت مسبقًا وأُطلق عليها اسم "قوات شرق دجلة" بالقرب من كركوك، وبذلك انهار فعليًّا تحالف الطبقة السياسية الشيعية مع التحالف الكردستاني في 2008.&

وبعدها تجاهلت بغداد فقرات من الدستور تخص المجلس الاتحادي وهو الجزء الأهم في البرلمان العراقي وعدم &تطبيق المادة 140 والمواد التي تخص توزيع الثروات وخاصة قانون النفط والغاز، حتى وصلت الأمور إلى قطع حصة الإقليم من الموازنة العامة والبالغة 17% وقطع مرتبات الموظفين وفرض حصار اقتصادي واتهمت قيادة الاقليم مستندة الى لجان التحقيق البرلمانية في سقوط الموصل بيد داعش التي اتهمت المالكي بالمسؤولية عن سقوط&الموصل بيد داعش للتشويش على استقرارالاقليم.