يعيش&الشعب اللبناني&حالة ترقب في قاعة إنتظار تشكيل الحكومة&على&أمل&الاجتياز&نحو&المنتظر، والذي راوح مكانه منذ أكثر من سبعة أشهر إثر تكليف الرئيس سعد الحريري&بذلك، في ظل هاجس الخوف من&إبقاء الجمود الذي حوّل البلد إلى أسوأ حال&مع&انعدام الخدمات وتعطل مصالح اللبنانيين&.&وفيما يرى البعض أن تشكيل الحكومة ممكن ان يُنفّس الوضع المأزوم فإن كل المعطيات والمؤشرات التي تنبني عليها السياسة الطائفية&والمذهبية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن لبنان على الحقيقة يفقد كل إمكانية حقيقية للنهوض&،&سواء تشكلت الحكومة أم لم تتشكل، وسواء انتخب رئيس أم لم ينتخب، وسواء جرت انتخابات برلمانية أم لا!

فقد&تحول البلد&منذ زمن بعيد&إلى جزر أمنية مذهبية وحزبية،&وسط تفشي&علني للفساد المالي في معظم الطبقة السياسية،&التي باتت تنهب الأموال العامة بشكل واضح&وصريح.&وفي ظل انتشار السلاح بين الفرقاء&حيث&يمتلك "حزب الله"&ومن يدعمهم من الاحزاب الأخرى الموالية له منظومة سلاح ونظام عسكري&يعمل خارج كل الأطر المعقولة والمقبولة،&كما يغطي كل الفئات الخارجة عن القانون من تجار المخدرات وعصابات السرقة.

فعن اي مقومات دولة يتكلمون؟ وأي حكومة سيشكلون؟!&

نعم،&عيون الشعب تتطلع إلى&العدالة و&الديموقراطية التي تنظمها الدساتير، وتضمن&الأمن بيد الدولة وحدها، كما تضمن&استقلال القضاء عن السلطات الأخرى لا سيما منها سلطة رأس المال، وتنقل مزيدًا من الإصلاحات إلى كلّ من&الحكومة&والبرلمان، فتحدد المسؤوليات وتدقق في الاختصاصات، وبالتالي تضع حَدًّا ل "التركيبة" التي جعلت من الدولة&سوقًا سوداء للمذهبية، و بورصة للطائفية من خلال مفهوم الدولة القائم على الزعماء وامراء الطوائف، والفساد المرتبط بالمحسوبيات، من هنا يكون أحد أهم مضامين "الانتقال الى&الدولة&المنشودة هو وضع حدّ&لهيمنة اللاشرعية الميليشياوية المتحكمة في كل مرافق ومؤسسات الدولة. وهو أمر يشبه المستحيل في ظل سيطرة " الزعماء" الذين يختلفون &على "كعكة المنافع" ليس إلا؟&

فنحن اليوم أمام دولة&أشبه ما تكون بالمستودعات المركبّة من الفوضى،&في ظل نظام "قهري" يطبق&القانون فيها&على الضعيف ممن لا زعيم وراءه، ويدفع فيها المغلوب على أمره فواتيره والتزاماته كاملة فيما ينعم افراد المناطق الخاضعة "لحزب السلاح" بمجانية الخدمات التي يسرقونها علنا من الدولة دون ان تتجرأ العناصر&"الامنية الرسمية"&من مجرد المرور في الشارع &دون موافقة الحزبالمذكور، ناهيك عن توقيف مجرم أو مطلوب.&

فعن أي دولة يتكلمون&، وأي حكومة سيشكلون؟&

حالة "اللادولة" و الفوضى الدائمة&المستمرة قائمة على&الفساد المركب&وانتشار السلاح،&لأن العلاقة القائمة&مفادها :&ان السلطة هي الطريق الى المال، فيصبح الجاه السياسي و المنصب هو مصدر الثروة، والمنصب لا يتوصل اليه&الا&من خلال محسوبيات وزعامات عشائرية&وطائفية،&فيما تفرض القوى هيمنتها بالسلاح وتهدد الأمن الداخلي ساعة تشاء&.ان&"الطائفية السياسية" التي تُشكل ترجمة لمبدأ "العصبية" أي القوة القبلية، أو الدينية، أو المذهبية، أو العشائرية، أو الحزبية، أو الأيديولوجية&...&التي تُعدُّ القوة الأقوى في صناعة الأحداث والمحركة لتاريخ&لبنان، هذه الطائفية تجري نحو غاية السلطة المتمثلة ب "الزعيم"، والزعيم ينتهي الى الترف والانفراد بالمجد!

فما&الذي يتولد عن هكذا بنية؟؟؟

من الطبيعي في هكذا بنية أن تكثر الصراعات والنزاعات بين "عصبية" وأخرى، فتسقط "عصبية متمثلة في زعيم"، لتقوم مكانها عصبية ثانية متمثلة بزعيم آخر، وهكذا دواليك مع كل التداخلات الاقليمية والدولية التي تدعم هذا الفريق أم ذاك&؛&محدثة انقسامات فئوية حادّة، ليسقط الجميع في فخ الدويلات&فيقسم البلد المنقسم إلى احياء حزبية&صغيرة، يصبح كل زعيم فيها على طائفته صيّاح..في ظل خوف دائم من نشوب حرب أهلية&.

ويبقى السؤال مطروحًا كيف يمكن الخروج من&الدوامة "العصبياتالميليشاوية&" وما هو السبيل تجنيب البلاد حتمية "الصراعات "والحروب الأهلية&؟

لا أريد أن أكون متشائمة،&ولكن بالمدى المنظور فإن ذلك يبدو صعب المنال، لا سيما&أن&الشعب نفسه يلتف حول الزعماء ويعيد انتاجهممن جديد&!

ولكن&إن تحققت الإرادة لذلك، فإن ثمة&خطوات فاعلة للخروج من الدوامة&&والانتقال من حالة "اللادولة"&إلى حالة&تواجه الحتميات الطائفية&،أهمها&:

بالدرجة&الأولى&يتطلب الأمر&الحد من فوضى انتشار السلاح&، وحصر ذلك في أيدي الأجهزة الأمنية الرسمية فقط، إذ لا يستقيم الحال في ظل احتفاظ فئة به مهما كانت ذرائعها لذلك، لأن احتفاظ اي فئة بالسلاح يعني اخضاع البقية للسياسة تلك الفئة&.&

ثانيا :&استقلال السلطة السياسية عن سلطة رأس المال&ومغادرة"مغارة&علي&بابا": وذلك من خلال قطيعة نهائية مع "دولة المستودعات الطائفية " ومع قانون "التملق للزعيم المفيد للجاه السياسي الموصل للسلطة الجانية للأموال "، الذي أدى إلى تفاوت طبقي حاد، بين أثرياء ثراء فاحش يتقلدون زمام الامور، وبين أكثرية كاثرة من الفقراء.&فقيام الدولة يرتبط بشكل مباشر مع قانون المحاسبة على كافَّة الصُعد، لذلك فإن قانون المحاسبة في ظل الانظمة الحالية مُعطل بالكامل، فالسياسيين يتخذون من الطائفية متراساً يقفون خلفه للاتقاء من موضوع المحاسبة او المسائلة بموضوع هدر او غيره، ولو فُتح ملف أحدهم من هدرٍ أو اختلاس، أعتبر ذلك مسًّا بطائفته، وأعلن أن ذلك خط أحمر ينبغي ألا يقترب منه أحد،&وأصبحت الطائفية هي الحصن الحصين الذي يحتمي به الفاسد كي يتقي مغبة المساءلة والمحاسبة.&

ثالثا:&تأسيس الوعي&بمفهوم الدولة والمؤسسات العامة : إن مفهوم الدولة المدنية&لا زال غير&مؤسسًا&في الوعي&العام&ولم&يتحول الى قناعة راسخة وسلوك من بديهيات العقل والسلوك السياسي،&فالنضج الشعبي وفهمه&لعمل المؤسسات الرسمية&هي مسألة وسيرورة تربوية طويلة، فهي تَجربة تُعاش وليست ثوبًا يُلبس،&فهي ليست طريقة لممارسة الحكم&وحسب&بل هي تجربة عميقة تكمن في فكر الانسان وممارساته.

أخيرا، لا الأمل في بناء دولة حقيقية مدنية بمؤسسات فاعلة &في ظل المعطيات القائمة، إنما ستكون هناك شبه مؤسسات رسمية تعمل في ظل توازنات، حيث&ستعمل&الرئاسات&المتعاقبة والحكومات على إدارة الأمور بالطريقة المعهودة ذاتها &في ظل التوازانات الاقليمية الخارجية من جهة واستثمار القوى المتنفذة في الداخل لتحقيق المزيد من المكتسبات السياسية&من جهة أخرى&. وما &تشكيل الحكومة إلا فصل صغير في مسرحية بلد&العيش فيه أصبح من سابع المستحيلات.