يُتحفنا العالم الرقمي في كل فترة بنتاجات جديدة تجسد في مظهرها جانبا وتجليا واضحا لإرهاصات عصرنا الحالي الذي تشهد حركته ايقاعا متسارعا يصعب احيانا اللحاق به واستيعاب جزئياته.

وفي خضم الحديث الصاخب حول الاخبار المزيفة في مواقع التواصل وتداعياتها التي أرقت اصحاب هذه الشبكات وطعنت مصداقيتها بالصميم، جاءت التسجيلات الفيديوية الاباحية المزيفة، لتنافس الاخبار الكاذبة في مستويات التضليل والاساءة التي تقوم بها، بل وتتفوق عليها.

التقنية الجديدة التي تسمىDeepfake  تعتمد على الذكاء الاصطناعي، حيث يتم فيها نمذجة الوجه باستخدام عشرات الصور للشخص المستهدف ومن ثم يتم تطبيقها على وجه اخر ليكون بديل له، وبذلك يتم التلاعب في المقاطع التسجيلية للافلام الاباحية ووضع راس الشخص المستهدف بدلا من رأس بعض الممثلين في هذه الافلام .

‫عملية تزييف الصور ليست بالشيء الجديد ، ولا هي مظهر من مظاهر العصر التكنولوجي المتعددة الاشكال ، بل هي عملية قديمة كانت تستخدم من اجل التشويه والتضليل والاساءة لسمعة الشخص المستهدف، لكنها كانت صعبة ومعقدة ولايستطيع ان يقوم بها الا المختص، بل تتطلب، ونحن نتحدث الان عن الفيديو ، تكلفة باهظة ووقتا طويلا جدا من اجل اتمامها والتي تكون في نهاية العمل غير محترفة بل ومكشوفة ولايمكن ان تخدع الا قلة نادرة وتحتاج ٤٠ ساعة عمل لاجل فيديو صغير جدا.

اما في هذا العصر، وعلى نحو الدقة خلال الاسابيع الماضية، وبالاستعانة بالتقنيات الحديثة، والبرمجيات وعمليات المونتاج المحترفة ، فقد اصبح التزييف الفيديوي سهل، ‫ويحتاج لخطوات بسيطة أهمها جمع عدد من الصور المختلفة للشخص المستهدف، وهي التي تتوفر الان بكثافة بالصفحات الشخصية للمستخدمين في مواقع التواصل، ثم بعد ذلك يتم اختيار اي فيلم إباحي، وفي النهاية يتولى الكومبيوتر الخطوات عبر برامج معينة.

وبحسب الكاتب ديف لي ، وهو محرر التكنولوجيا في البي بي سي، فان أحد التقنيات التي يتم استخدامها في عملية صناعة هذه التسجيلات قد تم تحميلها مئة ألف مرة منذ ان اتيحت للجمهور قبل عدة اسابيع.

ويبدو ان هذه التقنية في تقدم وتطور مستمر ، فهناك تحسينات تجري لجعل حركات مقلة العين الزائفة اكثر اتساق مع الحركات الذي تقوم بها الشخصيات التي تؤدي أدوارا في الفيلم، بل ان التقارير تؤكد ان الامر قد اصبح اكثر يسرا وشيوعا، وأصبح الأمر في شهر كانون الثاني سلسا جدا خصوصا بعد ان تم طرح تطبيق "فاك آب"، الذي يساهم في التلاعب بالفيديوات بصورة آلية سهلة.‫

ومن الممكن ان تقع اي شخصية ضحية للزيف العميق بشرط ان تتوفر عنها عشرات الصور وباوضاع مختلفة ، وقد اشارت التقارير الى ان الممثلات هن الصنف الاكثر تعرضا لهذه التقنية الجديدة كما حدث مع المطربة الكورية سولهايون والممثلتين أيما واتسون ونتالي بورتمان، وقد انتج المسؤولون عن هكذا فيديوات تسجيلات لميشيل أوباما وإيفانكا ترامب وكيت ميدلتون، كما تحدث عن ذلك تفصيليا تقرير البي بي سي.

وبسبب الانتهاك الواضح لمقاطع التزييف العميق لقواعد كل المواقع والمنتديات ومنصات التواصل، قامت تلك المواقع بمنع نشر هذا النوع من الفيديوات على منصاتها ،حيث حظر تويتر هذا المقاطع من النشر في موقعه “ لأنها تستخدم ملامح أشخاص دون موافقة أصحابها   بالرغم من ان هذا الموقع يقبل نشر المقاطع الجنسية الاباحية، كما قام موقع ريدت لنشر الروابط وموقع جفيكات، لاستضافة المقاطع الفيديوية، وموقع المحادثات ديسكورد، بحسب التقارير ، بمنع نشر هذه الفيديوات ايضا‪ ، وقد اضطر موقع بورن هاب الشهير للمواقع الاباحية الى حذف جميع هذه الفيديوات من موقعه بعد ان كان يقبل نشرها فيه.

انني شخصيا احذر المستخدم من هكذا تقنية ، واراهن على ذكاءه وفطنته التي ارجو ان تكون متقدة وواعية لمثل هكذا نوع من التقنيات التي تعمل على تزييف الواقع بعمق وعلى نحو مخزي ، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية والتي تستخدم فيها بعض الحملات الانتخابية التابعة للأحزاب كل الأدوات الخبيثة والوسائل المنحطة من اجل الاطاحة بالاحزاب الأخرى المنافسة لها.

ولذا تساءلت وانا اكتب هذا المقال :

ماذا لو استخدمت هذه التقنية في الانتخابات العراقية من قبل بعض النفوس المريضة التي تعمل عند بعض الاحزاب او الشخصيات العراقية ؟

وكم شخصا سيصدقها ، ويبني عليها مواقف معينة تتعلق بالشخص المستهدف ؟

وانى يستطيع الشخص الضحية الدفاع عن نفسه بعد ان ينتشر الفيديو المزيف ؟

أسئلة أتمنى ان تضل في المقالة فقط، وان لاتنتقل الى عالم الواقع حيث السياسة وعالمها يخلو ، في الكثير من فضاءاته، من الاخلاق والقيم .

خبير في مواقع التواصل الاجتماعي

https://twitter.com/alsemawee