احتدم الصراع بين أغلب دول حوض البحر المتوسط، بسبب التنقيب عن الغاز الطبيعي، وانقسمت هذه الدول إلى فريقين، فريق طامع في هذه الثروة ويحاول اغتصابها دون وجه حق، ويمثله «تركيا وإسرائيل»، وفريق قانع بحقه في ثروة غازية تقع في محيط مياهه الإقليمية، ويمثله مصر وسوريا ولبنان وقبرص اليونانية.. الأمر الذي ينذر بحرب حقيقية قد تندلع بسبب الغاز في أي لحظة..

إسرائيل تسعى، كعادتها، إلى اغتصاب غاز لبنان، وتقوم بالتنقيب داخل مياهها الإقليمية وخارجها، باعتبارها الدولة الوحيدة في العالم التي قامت على نظرية الاغتصاب، معتمدة على البلطجة الغربية، خاصة أميركا، والتي منحتها الحماية والتدليل منذ إعلان قيمها منذ 70 عاماً، لذا لا يتردد بنو صهيون في العربدة والسطو على حقوق الغير، فبعد أن سرقت أرض فلسطين، تسعى اليوم لسرقة ثروات المنطقة، في وقاحة لا مثيل لها، ولم يعهدها المجتمع الدولي على مر العصور.. إلا أن الطريق أمام العدو الصهيوني ليس مفروشاً بالورود، كما يتوقع، نتيجة وقوف حزب الله له بالمرصاد، خاصة بعد أن هدد حسن نصرالله صراحة لا تلميحاً بأنه سيضرب حقول الغاز الإسرائيلية بالمتوسط في حال تعرض الحقول اللبنانية لأي تهديد أو اعتداء..

أما تركيا، فيعتمد رئيسها أردوغان على نفوذه في قبرص التركية، ويحاول مد هذا النفوذ إلى قبرص اليونانية، لمنعها من التنقيب عن الغاز في مياهها الإقليمية، حتى إن شركات الغاز الإيطالية توقفت عن التنقيب، بعد أن تلقت تهديدات من بعض قطع الأسطول التركي، فعادت أدراجها، الأمر الذي يؤكد الطمع التركي في بعض حقول الغاز اليونانية التي قد تظهر مستقبلاً، إلا أن اليونان ألمحت أنها لن تصمت إزاء أي تهديد تركي لقبرص، أو محاولة السطو على ثرواتها النفطية من الغاز..

ولم تكتف تركيا عند هذا الحد، بل حاولت العبث مع مصر بالقرب من حقل غاز «ظُهر»، الذي يعد الأكبر في المنطقة، إلا أن القوات البحرية المصرية، أظهرت لتركيا «العين الحمراء»، كي لا تجرؤ على هذه المناوشات مرة أخرى، في رسالة مفادها «أن مصر قادرة على الدفاع عن مصالحها، وإن استدعى الأمر لن تتردد في استخدام القوة»..

وفيما يبدو أن إسرائيل أرادت الاصطياد في الماء العكر، في ظل الفوضى التي تعم المنطقة، خاصة لبنان بما تعانيه من عدم استقرار سياسي وإقتصادي، وسوريا وما آلت إليه من مآسي أدت إلى المزيد من الخراب والدمار والتهجير لشعبها الذي أصبح يقف في طابور اللاجئين الطويل على أبواب دول العالم شرقاً وغرباً، هرباً من أراضيه التي ارتوت بدماء الضحايا، وصراخ الأطفال وعويل الأرامل، نتيجة إصرار الرئيس بشار الأسد على التمسك بالسلطة، ولو كان ذلك على حساب جثث شعبه.. هنا تحاول إسرائيل كعادتها سرقة ما تطوله يديها في ظل هذا المشهد المأساوي، الذي سيطر على أشباه الدول من حولها..!

والأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة لتركيا، والتي تقصف «عفرين» بلا رحمة، وتستبيح أراضي جيرانها بكل وقاحة، فمرة تدخل إلى أعماق الأراضي العراقية، واليوم تدخل عفرين وتمنع قوات الجيش السوري من التواجد بها، كما أنها نجحت في تجنيد و«تحييد» بعض عناصر تنظيم «داعش» من المرتزقة، ليحاربوا بجانبها، ليخرج الجيش التركي من هذه المجزرة بأقل الخسائر في الأرواح، خوفاً من الغضب الشعبي بتركيا الذي قد يواجهه أردوغان في حال مقتل عدد كبير من جنوده في هذه المعركة، التي تستهدف، في المقام الأول، القضاء على الأكراد، تحت ستار الحرب على الإرهاب، وكأن العالم كله تناسى أن عناصر داعش، قد دخلوا إلى سوريا عبر تركيا، وأن المدعو أردوغان، بالاتفاق مع الأمريكان، هو مهندس هذا التنظيمالإرهابي، الذي استوطن بلادنا، وعاث فيها فساداً باسم الإسلام، تماماً مثلما يحلم أردوغان بالخلافة، لاستعادة عرش الدولة العثمانية، والذي سقط منذ الحرب العالمية الأولى في بحر من الأوهام..! 

خلاصة القول، إن الصراع في المنطقة لن ينتهي في القريب العاجل، فإن كان تنظيم داعش قد بدأ في التهاوي والهروب من الميدان إلى دول مجاورة، فإن الحرب القادمة ستكون بسبب الغاز، باعتباره ثروة نفطية سوف تسهم في تقدم وازدهار دول فقيرة تحتاج إلى الوقوف إقتصادياً على قدميها، مستغلة هذه الفرصة التي قد لا تتكرر.