السعودية في عهد الملك سلمان كسرت الصورة النمطية عنها واثبتت للعالم أجمع ان هناك بلدا قويا مؤهلا لقيادة المنطقة والعالمين العربي والاسلامي ، كما كشفت عن الحجم الحقيقي لإيران وتركيا وتمكنت من تحجيم نفوذهما الى حد بعيد .

خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامير محمد بن سلمان لم يكتفيا بالثورة الاجتماعية في داخل بلادهما بل ارفقاها بثورة مماثلة في طريقة تعاطي المملكة مع القضايا الإقليمية والدولية وطريقة إدارة الملفات الكبرى في المنطقة ، وكان العراق على رأس أولويات صانع القرار السعودي، رغم ان الرياض لم تبتعد عن بغداد مطلقا لكن إعادة هذا البلد الى الحضن العربي ومواجهة النفوذ الإيراني كانت السمة الأبرز التي ميزت عهد الملك سلمان .

ليس هناك من يعرف العراق واهله مثل السعودية واهلها ، كما انه لايوجد شعب يحب العراق والعراقيين أكثر منهم ، والعراقيون يبادلونهم ذات الحب والاحترام على الرغم من ان الانظمة التي حكمتهم منذ عشرينات القرن المنصرم كان القاسم المشترك بينها هو معاداة المملكة غالبا ، لكن السعودية لم تدر ظهرها للعراق يوما وحتى بعد عام 2003 كانت أكبر الداعمين لإعادة بناء الدولة ، في وقت كانت ايران وحليفتها دمشق وبدعم مالي سخي من قطر مشغولة بتجنيد المسلحين وجلبهم من جميع بلاد الدنيا وادخالهم للعراق لتدميره وتفتيته طائفيا وعرقيا في محاولة لتقسيمه ليظل ضعيفا وغير قادر على مواجهتها و تحقيق التوازن معها ووقف تمددها وانهاء عبثها في المنطقة .

وفي عام 2014 وبعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على ثلث جغرافية العراق ، رمت السعودية بكل ثقلها الدولي من اجل انقاذه ، وحشدت العالم لمساعدته ولولا نداء الرياض ومكانتها الدولية المرموقة لما كانت هناك استجابة سريعة من الولايات المتحدة والدول العظمى لتشكيل تحالف دولي للقضاء على داعش التي كانت على تخوم العاصمة بغداد .

وبعد القضاء على داعش ، استخدمت السعودية سمعتها الدولية مرة أخرى من اجل حشد العالم لمساعدة العراق في إعادة الإعمار ، فمؤتمر الكويت ما كان ليكون لولا موافقة ودعم الرياض له ، هذا في وقت لم تتوقف فيه المليشيات التي لاتخفي ولاءها لطهران عن شتم وتهديد المملكة ، ولم يتوقف زعيم حزب الدعوة نوري المالكي ومساعدوه عن كيل الإتهامات والاساءة لها ، لكن السعودية تدرك ان أخراج العراق من عباءة الولي الفقيه الإيراني لايتم إلا بجذب رأسه الى الصف العربي ومساعدته في وقف حالة التشظي والاحتراب الطائفي فيه من خلال تكثيف التواجد العربي داخله . 

السعودية فعلت ما عليها وأكثر ، والكرة الآن في ملعب بغداد وتحديدا رئيس الوزراء حيدر العبادي و الاحزاب التي كانت تعتب على قلة التواجد والدعم العربي ، إذ يتوجب عليهم جميعا أثبات ان العراق لن يكون منطلقا لإيران للعبث بأمن جيرانه وباقي الدول العربية ، ولا احد يطلب من الحكومة العراقية ان تعادي او تحارب إيران ، لكن على الأقل ان تتفاعل بغداد مع القضايا القومية والاجماع العربي وان لاتكون صدى لصوت وإرادة طهران في الجامعة العربية وباقي المحافل الدولية .

الدعم السعودي للعراق هو الذي جلب دعم امريكا والعالم له ، واذا كان بعض من يحكمون في بغداد اليوم لايهتمون لمصلحة بلادهم وشعبهم ، عليهم ان يلتفتوا الى مصالحهم لأن خسارة السعودية ستعني خسارة الدعم الدولي لهم وهو ما يعرض العراق الى مخاطر حقيقية ، ويعرض مصالحهم وسلطتهم الى مخاطر أكبر .

الشعب العراقي هو شعب شديد الأعتزاز بعروبته وهو لم يقبل سابقا ولن يقبل مستقبلا بان تكون بلاده حديقة خلفية لطهران ولن يسمح لأي حزب أو مليشيا بتحويل وطنه الى قاعدة لإيران او لاي دولة تحاول إيذاء اشقاءه العرب ، وعلى من يحكم العراق اليوم ان يقرأ التأريخ جيدا ليعرف ان أول الحركات العروبية تشكلت في النجف ضد الاحتلالين العثماني والصفوي ، وان شيعته كانوا رأس الحربة في مقاومة اي محاولة فارسية لإيذاء امتهم .