فجر السبت 14 نيسان الجاري، ردا على هجوم كيميائي مفترض اتهم النظام السوري بشنه في معركة دوما مع الفصائل الاسلامية المعارضة في الغوطة الشرقية، شنت الولايات المتحدة الامريكية ، بمشاركة كل من فرنسا وبريطانيا، ضربات صاروخية على مواقع عسكرية للجيش السوري، بينها منشآت كيميائية. ملايين السوريين، بين قتيل وجريح ومهجر ونازح ومفقود ، مأساتهم ومحنتهم لم تحرك "الضمير الامريكي". فقط لأجل عشرات القتلى والمصابين بالكيماوي المفترض، حرك ترامب أساطيله وأطلق على قوات النظام صواريخه " الجديدة الجميلة الذكية"، كما وصفها في تغريده له على حسابه الشخصي. حتى وإن أثبتت التحقيقات، التي يقوم بها فريق المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية، بأن النظام السوري فعلاً استخدم "سلاح كيماوي" في معركة دوما، يبقى الكيماوي مجرد "ذريعة" للضربات العسكرية الغربيةالتي قادتها امريكا على سوريا. إذ ، ثمة أسباب امريكية داخلية، سياسية وغير سياسية، تتعلق بملفات ترامب (التحقيقات حول احتمالات التدخل الروسي بحملته الانتخابية – و قضايا أخلاقية) ، دفعت الرئيس الامريكي (دونالد ترمب) للتحرك العسكري وقصف قوات النظام ، بعد اسبوعين فقط من كلام ترمب عن "انسحاب امريكي قريب جداً من سوريا".

السوريون،(نظاماً وشعباً)، في معظم محطات ومراحل حربهم الداخلية العبثية الكارثية، المستمرة منذ سبع سنوات، أثبتوا على أنهم خارج التاريخ والعصر . سوريون، موالاة ومعارضة، هللوا لضربات العدوان الثلاثي على بلادهم. المعارضون هللوا ابتهاجاً وطلباً للمزيد منها. الموالون هللوا واقامواالدبكات تحدياً واستنكاراً ، متناغمين ملتصقين بذلك مع نظام "دكتاتوري مستبد" ، برع في تضليل الشعب ، امتهن تحويل الهزائم العسكرية الى انتصارات ظافرة والاخفاقات الاقتصادية و السياسية الى منجزات عظيمة .وفق تقديرات متابعين للشأن السوري، الضربات (الامريكية الفرنسية البريطانية) رفعت من شعبية ورصيد الرئيس ( بشار الأسد) بين السوريين،رغم "الجحيم القاتل"، الذي انزلقت اليه البلاد في عهده. أما في الدول الثلاث المنفذة للضربات على سوريا، شكلت الضربات مناسبة وفرصة للمعارضات لتوجيه انتقادات حادة لحكومات بلدانها . غارات صاروخية ، كان لها وقع الـ ''هزيمة'' بطعم "النصر" على السوريين وحلفائهم الروس والفرس. ووقع "النصر" بطعمة "الهزيمة" على الامريكيين وحلفائهم من الاوربيين والعرب والمسلمين. لأنها كانت ضربات " ناعمة" ، غير مؤذية للنظام السوري، شكلت خيبة أمل كبيرة وجديدة للمعارضات السورية، بجناحيها (العسكري والسياسي)، من حلفائها وداعميها الامريكيين والأوربيين. المعارضات، كانت تتأمل وتنتظر من الضربات الصاروخية أن تقوض القدرات العسكرية والقتالية للنظام، تمهيداً لإسقاطه. مثلما اسقطت امريكا وحلفائها ( نظام صدام حسين- 2003 ) في العراق و (نظام معمر القذافي- 2011) في ليبيا. صحيح، أن الغارات الأمريكية الأوربية لم تكن بالقوة والشمولية التي توقعها الكثيرون ولا بمستوى التأهب العسكري (جواً وبحراً) للدولة الثلاث و لا بزخم (الحملة الإعلامية) على النظام عشية الضربة، لكن الصحيح ايضاً أنها اربكت المشهد السوري، المضطرب اصلاً ، وخلطت اوراق اللاعبين في الساحة السورية، ومازالت بتداعياتها العسكرية والسياسية تتفاعل في مختلف الأوساط (السورية والاقليمية والدولية). الغارات أثارت سجالات وجدالات حامية حول أهدافها الحقيقية وحول الأسباب التي حالت دون توسيعها لتكون "حملة عسكرية" شاملة على مواقع ومراكز الجيش السوري، تمهيداً لأسقاط حكم بشار الأسد، على غرار ما فعلت امريكا وحلفائها في الناتو ، لنظام ( سلوبودان ميلوفيتش) في صربيا اليوغسلافية 1999 على خلفية مذبحة "سربرنيتشا".

الاسباب والدوافع الداخلية الخاصة للصواريخ الامريكية على سوريا ، لا تنفي وجود أهداف خارجية لها (سياسية وعسكرية). صواريخ ترامب حملت رسائل سياسية عديدة وبأكثر من اتجاه، الى جميع اللاعبين في الساحة السورية. اقوى الرسائل هي للاعب الأساسي (بوتين ). الإدارة الامريكية، ومن خلال ضرباتها، أكدت على أنها لن تسمح لموسكو الانفراد بالملف السوري. في ذات الوقت، أكدت الادارة الامريكية للمعارضات السورية، التي راهنت منذ اليوم الأول لعسكرة "الثورة" على التدخل العسكري الخارجي في إسقاط حكم الأسد " ، على أن إسقاط النظام السوري لم ولن يكون ضمن الاجندة وأولويات السياسية للإدارة ". الخارجية الامريكية كررت أكثر من مرة على لسان المتحدث باسمها على "الحل السياسي" للأزمة السورية، عبر مسار جنيف المعترف به دولياً . لهذا ، من المتوقع أن تحرك الضربات الغربية "العملية التفاوضية" المعطلة بين النظام والمعارضة . ومن المقرر أن تقدم الدول التي شاركت في الضربات ( فرنسا ،الولايات المتحدة ، بريطانيا) خلال الايام القادمة "مشروع قرار" الى مجلس الأمن، يجمع الجوانب (الكيميائية والإنسانية والسياسية) حول الحرب السورية. في المجال السياسي، يطالب مشروع القرار "السلطات السورية بالدخول في مفاوضات (سورية- سورية) جدية وبطريقة بنّاءة وبلا شروط مسبقة".

كاتب سوري