انعكست انتفاضة الشعب الإيراني العارمة المفاجئة من أجل اسقاط نظام الملالي في داخل النظام وشهدنا بروز آثارها المذهلة في تصاعد غير مسبوق للتناقضات الداخلية للنظام. 

مسؤولون سابقون في هذا النظام تحدثوا هذه المرة بكلام اقل ما يقال عنه أنه خارج فئة «التناقضات الداخلية» وأنه استهداف للنظام بأكمله. مثل مواقف أحمدي نجاد الذي يطالب بتغيير كامل للجهاز القضائي ومؤسسات ولاية الفقيه، أو مصطفى تاج زادْة الذي يقول أن أكبر خطأ ارتكبناه هو ادخال ولاية الفقيه في الدستور الإيراني أو ابو الفضل قدياني الذي وصف خامنئي بغوبلز الجديد (وزير دعاية هتلر سابقا ) ... 

وأدّى هذا الوضع إلى تفعيل آليات الدفاع في داخل النظام و تم التعبير عن بعضها على شكل نظريات. إحدى هذه النظريات كانت أنه اذا تعرض نظام الملالي الحالي لخطر تقدّم وتطوّر الانتفاضة الإيرانية فان إيران أيضا ستعاني مصيراً متشابهاً لمصير سورية. هذا الكلام ينطوي على أن تقدّم الانتفاضة في إيران مثل سوريا أيضا لن يفضي إلى إسقاط النظام وتشكيل حكم شعبي. بل سيظهر النظام ردة فعل حول ذلك وسيقوم بعمليات القمع وبالنتيجة سوف تتشكل تيارات مسلحة وهذه المواجهة سوف تفضي إلى مذابح واسعة بحق الشعب الإيراني والتدخل الخارجي وتنتهي بفوضى سياسية وعسكرية مثل سورية.

الإرشادات التي تخرج من هذه النظرية هو بالطبع أنه فقط لا تفعلوا أي شئ حتى لا تصبح الاوضاع والظروف أسوأ مما هي عليه الآن وأرضوا فقط بهذا النظام والقبول بحكمه على رقابكم. لكن الحقيقة هي أن هذه النظرية تم ابتداعها واختراعها من قبل بعض أجنحة النظام الحاكم وهدفها كما قالوا هو الدفاع عن النظام ضد الشعب الإيراني وضد الانتفاضة من أجل التغيير وإسقاط النظام. لان الحقيقة هيأن إيران لن تصبح سورية . لماذا؟ 

لأسباب تعود إلى الوضع الخاص لإيران من الناحية التاريخية والجغرافية وكذلك النسيج الإجتماعي والمرحلة السياسية التي تعيشها حاليا

 

لأن إيران بلد يملك مساحة تعادل بحدود عشرة أضعاف مساحة سورية وعدد سكانه أكثر من أربعة أضعاف عدد سكان سورية. 

لأن إيران بلد تاريخي يملك عدة آلاف سنوات من السجلّالتاريخي ووحدة الأراضي . ووحدة الأراضي هذه تم حفظها خلال قرون وعصور. ومضى على الوضع الإيراني الحالي مئات السنين. 

الفارق الكبير بين إيران من جهة وبين سوريا وجميع البلدان العربية والإسلامية من جهة أخرى هوأن في إيران لا يوجد تهديد لتيار اسلاموي سياسي متطرف في مستقبل البلد، وذلك أن الشعب الإيراني قد تجاوز هذه المرحلة بسبب حكومة أشد المتطرفين عليه منذ أربعة عقود. لكن هذا التهديد قائم في جميع البلدان الأخرى كلّما بقي نظام الملالي في الحكم في إيران. كما أن النظامين السوري والملالي لعبا على هذا الوتر من خلال اختلاق كيانات متطرفة ليقولوا للغرب وللعالم أن عليهم القبول ببشار الأسد وإلا سيكون البديل جماعات من أمثال داعش والنصرة. في إيران لن يكون مثل هذا التهديد.

 

في سوريا، يمكن أن تكون هناك نزعات انفصالية أو انقسامات عرقية في حين أن في إيران لا وجود لمثل هذه النزعات في أي مكان بشكل جدي وحقيقي. خلال الانتفاضة الإيرانية الأخيرة تم النداء بشعارات واحدة في جميع أنحاء إيران. أبناء وطننا من العرب في الأهواز ومدن مخافظة خوزستان وأبناء وطننا من البلوش في سراوان وإيران شهر وأبناء وطننا من الكرد في سنندج وكرمنشاه و... جميعهم نادوا بنفس الشعارات التي تمحورت حول الإسقاط التام والكامل للنظام. 

في سورية لم تكن هناك حركة معارضة منظمة تاريخية قبل الثورة كي تأخذ بزمام المبادرة. تيارات المعارضة بالأساس تشكلت خلال ثورة الشعب السوري. وكما يصرّح قادة المعارضة السورية عدم وجود تيار معارض قوي وتاريخي متجذّر مع قيادة قائمة كان أكبر نقاط ضعف الثورة السورية. في إيران تم حل هذا القصور إلى حد كبير عن طريق حضور منظمة مجاهدي خلق الإيرانية في المعركة المستمرة التي دامت 52 عاما ضد نظامي الشاه والملالي وعن طريق جهود المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية لمدة 37عاما من أجل وضع برامج واضحة مع وجود قيادة منظمة وقائمة. 

النظام السوري بقي بسبب وجود نظام الملالي في دعمه ومساندته. النظام السوري كان قد آل إلى السقوط مرتين مع تقدم ثورة الشعب السوري: أحدها كان في عام 2013 حيث قال حسين همداني وقتها أن بشار الاسد كان يسعى إلى ترك البلد وكان المقاتلون قد وصلوا على بعد 600 متر من قصره. ولكن النظام الإيراني سارع إلى دعمه ومساعدته بادخال قوات الدفاع الوطني و أنقذه من السقوط الحتمي. وفي عام 2015 أيضا مع تقدم المقاتلين ومقتل حسين همداني... ونظام الاسد كان في حال السقوط قام النظام الإيراني بمساعدة النظام السوري واستطاع هذه المرة عن طريق عمليات القصف الوحشي انقاذه. الآن السوال هو أن النظام الإيراني قام بانقاذ النظام السوري من سينقذ النظام الإيراني عندما سيسقط ؟ لايبدو أن هناك نظاما أو دولة ستقوم بذلك من أجل إنقاذ نظام الملالي.

وعلى هذا المنوال فان هذه النظرية تمت حياكتها فقط من أجل انكار انتفاضة الشعب الإيراني ورفضها وإن البلدين ليسا متشابهين. 

*رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية