حديث الساعة في منطقة الشرق الأوسط وكثير من الدوائر السياسية حول العالم يتمحور حول موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الموقع مع إيران، وهل سينسحب منه في الثاني عشر من مايو الجاري، كما سبق أن تعهد، أم سيأخذ بالحسبان تحفظات شركائه الأوروبيين ـ بريطانيا وفرنسا وألمانيا ـ ورغبتهم في البحث عن مخارج بعيداً عن الانسحاب الأحادي الذي يهدد بإلغاء الاتفاق، علاوة على رفض الصين وروسيا وجهة نظر ترامب بشأن الاتفاق.

التوقعات في مجملها تشير إلى انسحاب ترامبي مؤكد من الاتفاق ما لم يتم التوصل إلى حل الساعات الأخيرة لإنقاذ الاتفاق، ولن يتم هذا غالباً سوى من خلال اقتناع الرئيس الأمريكي بوجهة نظر الرئيس الفرنسي ماكرون القائلة بضرورة البدء في عملية تفاوضية لملحق إضافي للاتفاق بحيث يتم الإبقاء على الإطار الحالي وإضافة بنود أخرى منها مرحلة مابعد المدى الزمني للاتفاق (2025) والمخاوف المتعلقة بالنفوذ الإقليمي الإيراني وبرنامج الصواريخ الباليستية.

ثمة سؤال تابع للنقاش السابق ويدور حول رد الفعل الإيراني المتوقع واحتمالية نشوب مواجهة عسكرية إيرانية ـ أمريكية إثر التوتر المتفاقم بين الجانبين.

الشواهد تؤكد أن الجبهة الأكثر سخونة والأكثر قابلية للاشتعال في الوقت الراهن هي الجبهة السورية وتحديداً مواقع تمركز الميلشيات الإيرانية في سوريا، وهي المواقع التي يرجح أن تكون هدفاً لضربات إسرائيلية أكثر كثافة وتأثيراً برعاية أمريكية خلال الفترة المقبلة، لاسيما أن أي تفاوض محتمل مع النظام الإيراني لابد وأن تسبقه عملية عسكرية لكسر شوكة إيران في سوريا، إذ يصعب على الولايات المتحدة وحلفائها الحصول على تنازلات من الملالي في ظل حالة النشوة الاستراتيجية التي تتملكهم في الظروف الراهنة.

من البديهي لأي مخطط استراتيجي أن يفكر في كسر إرادة الملالي قبل إطلاق أي عملية تفاوضية، وأمامنا تجربة كوريا الشمالية التي تراجعت عن تهديداتها تحت ضغط سياسة حافة الهاوية التي يجيد الرئيس ترامب تنفيذها بشكل احترافي يثير الاعجاب.

من الوارد أن تتطور أي مواجهة عسكرية ستدور حتماً بالوكالة على الأراضي السورية إلى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، لاسيما إذا لجأ نظام الملالي إلى توجيه صواريخ وكلائه في "حزب الله" اللبناني إلى قلب إسرائيل، ما قد يدفع إسرائيل إلى الرد بعنف على مقر إصدار الأوامر في طهران.

هناك أيضاً شواهد على حرب محدودة الأهداف ومتقطعة زمنياً تخوضها إسرائيل حالياً في سوريا، بالتركيز على قصف مخازن الصواريخ الإيرانية، وهي عبارة عن ضربات خاطفة مجهولة الفاعل في بعض الأحيان ومعلومة في أحيان أخرى. وإيران لا تزال تتبع سياسة التريث بانتظار تاريخ الثاني عشر من مايو على مايبدو، كي يتضح لها الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ولكن ردها لن يكون مباشراً على الأرجح بل عبر وكلائها (حزب الله اللبناني)، وبالتالي فإن فتح جبهة صراع جديدة بات مسألة واردة بمعنى أن لبنان يمكن ان يدفع مجدداً فاتورة حرب لا ناقة له فيها ولا جمل.

هي مواجهة محتملة ولكن يرجح أن تعمل دول كبرى على نزع فتيلها، وسيكون للقمة المرتقبة بين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين قول فصل في تحديد سيناريوهات الفترة المقبلة سواء من حيث احتمالات الحرب أو ساحتها أو حدودها وأهدافها. بريطانيا وفرنسا أيضاً قد يدفعان باتجاه نزع فتيل أي مواجهة بين إسرائيل وإيران، فالرئيس ماكرون قال امام الكونجرس الأمريكي أن على الدول الكبرى التعلم من تجارب الماضي وعليها ألا تدير الأزمة مع إيران بشكل يتسبب في حرب جديدة.

الأرجح أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق قد يربك موازين القوى السياسية في إيران ويمنح المتشددين في الحرس الثوري سلطة القرار على حساب مؤيدي الاتفاق النووي، حيث يتوقع انحسار دور الرئيس روحاني ووزير خارجيته في صناعة القرار لمصلحة متشددي الحرس، ما لم يتدخل المرشد الأعلى للجم جموح جنرالات الحرس ولاسيما قادة فيلق القدس الذراع الخارجي لميلشيات الحرس الثوري.

وقد كانت تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريس، التي حذر فيها من وجود خطر حقيقي لنشوب حرب حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، بمنزلة جرس انذار حقيقي نبه الدوائر السياسية في العالم إلى خطر نشوب حرب، ولكن العالم لا يبدي اقتناعاً بأن الرئيس ترامب يعتزم خوض صراع عسكري مع إيران أو غيرها، فمجمل مواقف الرئيس الأمريكي وتصريحاته تصب في سلة عدم المجازفة بدماء الجنود الأمريكيين، ولا يكف عن مطالبة حلفاء بلاده العرب بإرسال قوات إلى سوريا بدلاً من القوات الأمريكية المتمركزة في شمال سوريا.

الحقيقة أن افلات النظام الإيراني من قبضة الضغوط الدولية بشأن البرنامج النووي والصاروخي وخططه التوسعية سيكون بمنزلة كارثة على الأمن والاستقرار الإقليمي، لذا فإن تعاطي القوى الدولية مع نظام الملالي لا يجب أن يتم وفق استراتيجية احتواء يعرف الملالي كيف يتعاملون معها، كما يجب أن تكون الاستراتيجية الغربية قائمة على محاصرة هذا النظام وكسر شوكته كي يتوقف عن نشر الفوضى والاضطرابات الإقليمية، وخلاف ذلك سيكون الشرق الأوسط خارج السيطرة.